تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


البدوي الأحمر

ورقة
الخميس 6/4/2006
عقبة زيدان

ولد بين أنياب الجوع ومخالب القهر والحرمان, ودخل باكراً لعبة ساخرة مع الحياة. سرق من الكروم القريبة والبعيدة, وكان الشبع لا يستمر سوى للحظات, ثم يعاود السرقة حين يجوع.

دخل صغيراً في حزب وفّر له الطعام والدفء. ثم سحب منه هذان الامتيازان وأودع في مكان بارد جداً يسمى السجن. كل شيء كان لديه مؤقتاً: الدفء, الطعام, الصحبة الطيبة, وحتى السجن.‏

شهد الانقلابات, وبرأ نفسه من العنف, فرحل إلى حيث يمكن له أن يبدأ تاريخاً آخر, ليس فيه من سلاح للانقلاب والمقاومة إلا القلم والحبر. أصبح رجلاً حزيناً تحت ضوء القمر, وشاعراً يمتهن المشاكسة ويحترف الرفض. ولكن هذا الرفض يتعشق السخرية المرة, التي تصبح سمة مميزة لأدبه.‏

يكتب نصاً يدعوه (سأخون وطني), يعبئه عشقاً للوطن, ويحقنه بإكسير المرارة, فيزداد حزناً وينأى بنفسه جانباً, لا يجد صديقاً عزيزاً سوى العزلة, حيث لم يعد يحبذ صحبة رفاق الطفولة, ولا سرقة الفاكهة من البساتين. باتت كل الأشياء القديمة لا قيمة لها أمام الغربة المرعبة التي تنهشه. وفي (غربته) المؤلمة, تكسر الكلمات رتابة المشهد وطمأنينة العقول.‏

يقرر أن اللعبة لم تنته بعد, فما زال هناك الكثير من الأشياء في الحياة تحتاج إلى السخرية منها لخلخلتها, فينزع إلى التهديد بإزالة الحدود الوهمية التي يستمتع بها العرب, ويشرب كأس الوطن وعيناه مغرورقتان بالدموع.‏

تصبح كلماته كمبضع الجراح, فيشق بها حدود الوطن, ليعترف به الجميع كحالة فريدة, تنفرش في الفضاء العربي, فيزداد هو عزلة وشراهة للتدخين, وكأن ما يجري خارج بيته الدمشقي, يعني شخصاً آخر لا يمت بصلة لسياف الزهور.‏

من غرفة, لا تتميز سوى أنها تحتضن رجلاً أفرط في توحده وسعاله, خرج صوت مشروخ وصل إلى كل وسيلة ضوئية وصوتية وورقية عربية, وأعلن: لقد رحل البدوي الأحمر. لقد مات محمد الماغوط.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية