ضحكت كثيرا من تلك البراءة التي ألغت وجودها في المكان والزمان رغم تملّكها لكل هذا الفضاء.
أما أن يأتي ترامب الأخرق ويظن أنه قادر بكلمات على إلغاء وجود سورية بعمق حضارتها وفكرها وعراقتها ويقول ماهذه سورية ليست هنا وليست موجودة ولاتهمنا، هذا ما أضحكني أكثر.
استراتيجية ممنهجة يخطها ترامب وأعوانه في كسر كل المنظومات الأخلاقية والفكرية، عدا عن خرق القوانين الدولية، تستهدف وجودنا وثقافتنا وحتى مستقبلنا عبر خلق صراعات دائمة.
الذاكرة الثقافية وآفاق عروبتنا لاتزال صامدة في سورية، والخارطة السياسية التي تتجاهل التصنيفات الآثارية والتاريخية وتنظر إلى سورية على أنها بلد عائم على ثروات حيوية وعلى ممرات، صانعو تلك الخارطة يستهدفون المستقبل الثقافي القريب والبعيد للمنطقة، عبر تفكيك البنية الاجتماعية والروحية والتاريخية ويضعوننا في فراغ تاريخي ومستقبلي, والتدمير الممنهج لكل المواقع الأثرية في سورية أكبر دليل على ذلك.
الخوف من المواطن العربي المدجج بأبجدية أوغاريت ومكتبة إيبلا وآشور بانيبال، ومكتشفات قطنا وماري وتصنيف الرقم الذي سبق تصنيف ملفات الحاسوب بآلاف السنين، كل هذا يزيد من مخاوف ترامب وكل أعوانه في الشرق الأوسط فيطلق الأكاذيب هنا وهناك.
سورية وغيرها من دول المنطقة العربية لم تستأثر بحضارتها ومكتشفاتها العلمية والفكرية والفلسفية، وكل من أراد التطلع إلى المستقبل كان لابد أن ينظر إلى تلك الخزائن العربية، هذا المرور التاريخي عبرنا زاد في العدوان علينا وعلى تاريخنا الذي لم يتركوا فرصة إلا واستثمروها في تدميره وتغريبه وتهويده.
فلنتأمل أيضا ماصنعوا في متحف بغداد أحد أكبر أربعة متاحف في العالم, بما فيه من شواهد حضارية قدمت للعالم قياس محيط الأرض وحساب المثلثات، كما درست القبة السماوية والفلك، أصبح محظور على العالم معرفة ذلك من تلك الشواهد في محاولة لإلغاء عبقرية العراقيين القدماء.
الخارطة السياسية وآفاق عروبتنا تستلزم مزيدا من المقاومة الثقافية والفكرية أولا والسياسية والعسكرية تاليا.