وتقوي من عزيمة (الضعفاء) فتجعل من سطوة الأقوياء التي طغت على سلوكنا السياسي العام ردحاً من الزمن مجرد أسطورة لا تخيف ولا ترعب ولا ترتعد لها الفرائص ، كما تجعل من خشية الضعفاء التي استبدت هي الأخرى بالسلوك السياسي العام زمناً طويلاً مجرد أكذوبة لا تعيق ولا تمنعنا من المقاومة .
ومتى تمكنت المقاومة من تبديد مكامن هذه الأسطورة أو تلك الأكذوبة ، لابد أن تتلاشى معهما البنى التي قامت كل منهما عليها ،هذا هو منطق المقاومة في كل العصور . فما حصل في جنوب لبنان حيث المقاومة تكيل الضربة لإسرائيل ليس إلا الدليل القاطع على أن (عين ) المقاومة قادرة على مجابهة (المخرز) الإسرائيلي ،لا بل إن (عين) المقاومة غدت عيناً ساهرة ومتربصة بالمحتلين ، و(مخرز) الاحتلال أمسى أعجز من أن يحمي أفراد جيشه في الشريط الحدودي المحتل .
لقد مضى ستة عشر عاماً على انتصاراً لمقاومة على الاحتلال الإسرائيلي . وهذا في حد ذاته دليل على طول نفس المقاومة ، ودليل أيضاً ،على أنها تنتقل من جيل شباب إلى آخر ، ومن قرية إلى أخرى ، ومن بيت إلى آخر ، فلا تهدأ ولا تستكين ولا تجعل الاحتلال يستوطن الأرض مطمئناً إلى غده وإلى أمنه وسلامه.
وإلى جانب طول النفس رفعت المقاومة نوعية أدائها واعتمدت تقنيات متطورة إلى درجة أن الإسرائيلين أنفسهم باتوا يعترفون أن هذا الأداء متميز، ولم تعد القوات (الإسرائيلية) قادرة على احتوائه ،لا بحركتها العسكرية ولا بإمكاناتها الاستخبارية . واليوم بعد الكم الهائل من الانتصارات التي حققها الجيش العربي السوري وحزب الله في المناطق المشتعلة في سورية ، ابتداء من معارك تحرير القصير في صيف 2013 إلى معارك تحرير القلمون في ربيع 2015 ، بات من الطبيعي أن تصيب هذه الانتصارات بحالة هستيريا الكثير من قوى الحلف المعادي لسورية ولقوى المقاومة في المنطقة .
فهؤلاء بعد الانتكاسات التي منيوا بها ، قرروا أن يصبوا جام غضبهم على المقاومة ، الذي كان قرار تدخلها في المعارك الدائرة في سورية ، لا يخرجها عن خطها السياسي والنضالي كحركة مقاومة مسلحة ،واستطاعت أن تبرر دفاعها ووقوفها إلى جانب الدولة السورية ضمن مفهوم العلاقة الاستراتيجية والأمنية بينهم نظراً إلى ما تمثله الدولة السورية من حماية لظهر المقاومة اللبنانية والفلسطينية ، ووفق هذه المبادئ سارت المقاومة في الطريق الذي تراه ينسجم مع مواقفها ومبادئها السياسية والأخلاقية .
صحيفة ( فورين بوليسي) الأميركية أكدت في تقريرها أن المقاومة باتت في هذه المرحلة تخوض سلسلة معارك كبرى على الصعيد الإقليمي فهي تشارك في القتال في سورية ، وفي موازاة ذلك تشن حرباً سياسية وإعلامية ضد السعودية بسبب حربها على اليمن ، كما تشارك في معارك أخرى وبأشكال مختلفة في العراق وفي الصراع مع عدوها الأساسي ، العدو الصهيوني ، من خلال العلاقة المميزة مع قوى المقاومة الفلسطينية . فالمقاومة نجحت في السنوات الأخيرة في زيادة قدراتها العسكرية والأمنية واللوجستية،واكتسب مقاتلوها مهارات قتالية عالية ، لاتزال تعتبر أن المعركة مع العدو الصهيوني هي الأساس وأن استعداداتها مستمرة لمواجهة جيش الاحتلال الإسرائيلي في أي معركة . وأعلن ذلك سيد المقاومة حسن نصر الله الذي أشار إلى أن ( المقاومة لم تصب بأي خلل أو وهن ولم تتأثر قدرتها ولا جاهزيتها في مواجهة العدو الإسرائيلي. فالمقاومة بدخولها في ساحات قتالية متعددة أكسبتها العديد من التجارب والكفاءات وتحولت إلى قوة إقليمية ،وباتت الشغل الشاغل لصناع القرار في الدول الغربية وأصبح العديد من التقارير العسكرية والسياسية الأميركية و(الإسرائيلية) تتحدث عن تعاظم قوة المقاومة العسكرية ، معتبرة ذلك نكسة كبيرة لإعادة رسم موازين ومواقع القوى في المنطقة .
في مواجهة ذلك ، وتحت وطأة الحقائق المستجدة التي لم يعد يتحرج منها محللو الصحف ووسائل الإعلام (الإسرائيلية) إسرائيل عرضة للحروب ، المقاومة منظمة قوية يحظر التحرش بها ، إسرائيل لا مصلحة لها في الحرب ، ممنوع التصرف بشكل هوجائي قد يؤدي إلى تدهور لايمكن السيطرة عليه ، بالمقابل ، يهرب أقطاب الحكومة اليمنية وقادة الجيش إلى مربع المبررات والحجج والذرائع ، من نمط الحديث عن افتقار الجيش إلى خطة متعددة السنوات مصدق عليها ، وإلى ميزانية سنوية، وتدني مستوى تدريبات الوحدات النظامية ووحدات الاحتياط ،ووجود فجوة كبيرة بين القدرات الحالية للقوات البرية والمتطلبات المتنوعة جداً التي يفرضها الواقع الإقليمي ،فضلاً عن الفجوة المتعلقة بوسائل القتال.
واستتباعاً ، ترتفع وتيرة الثرثرة العقيمة المتخمة بالتناقض حول الخيارات، فمن ضرورة ( تجاوز التصعيد وتقوية الردع)إلى ( الضغط على المجتمع الدولي لدفع حزب الله إلى الامتناع عن استفزاز إسرائيل ) وهي مفارقة تاريخية من طراز جديد إلى خيار الهجوم العسكري الذي ( يؤلم حزب الله ولكن لا يستدعي منه الرد) . ما يعني في المحصلة ، أن (إسرائيل) تعيش مأزقاً وجودياً غير مسبوق بعد أن تحولت ، فعلياً وبالملموس ، إلى كيان (مردوع).