قد اضطرّنا ورويداً رويداً, للإشاحة عن متابعة برامج الفضائيات.. تلك التي تزوّدنا وعلى مدى استقطابها لأهم وآخر أخبار سوريتنا, بما يدور فوق أرضهاوينتهك مكانتها وإنسانيتنا, بل ويفوق في بشاعة اقترافاته كل مايمكن أن تقترفه الوحوش من الحيوانات..
اضطُررنا لذلك, دون أن يستكين بحثنا عن خبرٍ يخُصّنا ونترقّب سماعه, وعلى مدى نزيفنا وموتنا وإصرارنا على الحياة في وطنٍ, هو كل ما يعني أخلاق الانتماء التي تفرض علينا تضميد جراحه وكفكفهِ أوجاعه.
نعم, لقد غادرنا فضائيات الألم. ذاك الذي سكننا مُذ استباحَ قتلة الحياة حياتنا. غادرناها باتجاه الفضاءات الإلكترونية التي جذبتنا, وباختلاف تسميتها وديمومتها وسرعتها, وفي التقاط أدقِّ الأخبار التي تؤرق بدمويتها ما نعيشه من انتظار.. أيضاً, في استقطابها وبثِّها لصورٍ وفيديوهات لايمكن أن تعرضها الفضائيات, ولأن فيها ما ينافي الأخلاق و الإنسانية, وما تقشعرُّ من فظاعته, ما اقشعرت منه حتى التعليقات المنشورة على الكثير من الصفحات التي تعرضه, وسواء خاصة أو عامة أو تابعة لمواقع إخبارية.
هذا ما بات عليه حال متابعاتنا, وللكثير من المواقع أو الصفحات التي دعتنا للإعجاب بها فأُعجِبنا.. أُعجبنا سعياً لتتبُّع ما يحصل حولنا ويُوجِعنا. أيضاً, لمعرفة ما يُقترف بحقِّ شعبنا وينزفنا. ينزفنا نزيفَ ما فيها من أشلاء مزَّقتها الضباع الوحشية, وإلى أن ضمَّخت الإحساس بما فيها من فيضِ الدماء السورية.
إنها مشاهدٌ وإن كانت غير مخصصة للمشاهدة بسبب قسوتها, إلا أننا نشاهدها, فنزداد غضباً ونقمة على من صوّرها وبثّها كي نلتقطها. نزدادُ إحساساً بسفالةِ وإجرام, أهل الحقد والغدر والجهل والخيانة والحرام..
أيضاً, نزداد حباً وتضامناً وتعلّقاً بالوطن. سوريتنا التي ذُبح أطفالها ونساءها ورجالها وحُماتها, وعُلِّقت هاماتهم في شوارعها ومُدنها وساحاتها إلى أن باتت رايات.. سوريتنا التي نزفت وجعها حزناً على الشهداءِ من إعلامييها وعلمائها ومفكريها, وإلى أن استحقَّت أرضها أن تكون أرض التضحيات..
للأسف, هذا مابات في ذاكرتنا التي تضخَّمت ألماً سببهُ ما نتابعه عبر الفضاء الإلكتروني, و من إجرامٍ لا يمكن أن ننسى قسوته. هذا ما بات في ذاكرتنا التي يستحيل أن تنسى مقدار النزيفِ الذي نشاهده وأغرقنا بدمويته.. هذا مابات في ذاكرتنا, ومايحرضناعلى متابعة المزيد مما أصبحنا نترقبه على صفحاتنا.. تلك التي تحوَّلت من مجرّد مترقبة ومتلقِّية للأخبار والصور الفضائية, إلى فعالة في آرائها ومشاركاتها الوجدانيةوالإلكترونية..
كل هذا, وإن أدمى مشاعرنا وإنسانيتنا، إلا أنه أفادنا وسوريتنا, وفي نشرنا للحقائق التي لايزال كُثر لا يريدون أن يصدقوها أو ربما لا يعرفونها ولم يروها, أو حتى عرفوها ورأوها ولكن شبِّهَ لهم, بأنهم أفضل العارفين.. فياجهلهم!!.