وبوطنهم الذي نذروا أنفسهم لتحصينه بأسباب القوة، قوّة المعرفة، والدفاع عنه في مواجهة جحافل الظلام التي تداعت عليه من غير جهة من جهات الخراب الإنسانيّ جهلاً، وتخلّفاً، وردّةً في قيم الحقّ والخير والجمال.
فالأسرة السورية، الخلية الأولى وهي تحتضنُ أبناءها تؤكد عمقَ وعيها بأهمية المعرفة في بناء الإنسان السوريّ المتميّز، بل الاستثنائيّ، فمهما يكن من أمر ما كابد الوطنُ ويكابد من التخريب، والتدمير، والموت بأيدي شذّاذ الآفاق، وعبَدَة الجهل، كما تؤكّد إيمانها بأنّ قوة الحياة إنما تكمنُ في استمرار هذه الحياة وتدفّقها مهما أحدقَ بها من اليباس، والجفاف، وتصحّر الهويّةِ، أيّ الهوية التي يكتفي صاحبُها منها بوصفها إشارة إلى جغرافية ينتمي إليها، لا بوصفها قيمة دالّة على وطن يؤمن به، وطنٍ جدير بالانتماء إليه بحقٍّ.
فأطفالنا وهم ذاهبون اليوم الى مدارسهم انما يعني تأكيداً لإرادتنا جميعاً، إرادةِ السوريين جميعاً، في مواجهة مجمل أشكال تدمير سورية وتشظيتِها وتفتيتِها، حضارةً وجغرافيةً وإنساناً، وهم أمضى عزيمةً ، وأكثرُ إيماناً بانتصار سورية . . سورية الحضارة والتاريخ والمستقبل، مؤكدين بأنّ إرادة الضوء لا بد من أن تهزم إرادة الظلام، وأنّ إرادة الخير لا بدَ من أن تدحر إرادة الشرّ، كما يقول تاريخ هذا الوطن، وكما سيقول مستقبله حتى نهاية التاريخ.
لقد كانت السنوات الخمس التي مضت اختباراً حقيقياً وقاسياً لسورية في مواجهة جحيم الحرب التي شُنّت عليها من غير قوة دأبت على صفتها الاستعمارية منذ مئات السنين، ومن غير قوة أدمنت تبعيتها لتلك القوى، ثمّ من غير قوة ارتضت أن تكون رقيقة في سوق نخاسة كونيّ بامتياز، واستطاعت، أعني سورية، أن تصمد طوال تلك السنوات، وأن تؤكد إيمانها بأنها فوق أيّ محاولة تستهدفُها مادة ومعنى، وإذا كانت تلك القوى نجحت إلى حد في استهدافها ما هو مادي، فإنها لم تستطع تحقيق ما كانت تطمح إليه في الجانب المعنوي، ولا سيما إرادة السوريّ في الحياة، وحقه في المعرفة أحد أهم أركان تلك الإرادة.
لقد فرضت الحرب على وطننا جملة من المعطيات التي تتطلب منا أن نتعاون جميعاً في سبيل تجاوزها، بل في سبيل تأكيد جدارتنا بالمسؤوليات التي ارتضيناها لأنفسنا، لأننا احفاد أولئك السوريين الأوائل الذين بنوا مجد الحضارة الإنسانية بالعلم والمعرفة ، لنعبر جميعاً إلى سورية التي كانت على مرّ التاريخ، والتي ستكون، كما كانت، علامة مضيئة في سطور التاريخ، نشدّ أزر هذا الوطن الذي شاء أعداؤه أن يكتفي من الحياة بأسبابها الأولى، فشاء أن يبدع الحياة بأسباب وعيه، وانتمائه، وثقته بوطنه، وإيمانه بانتصاره، بانتصارنا جميعاً، على أولئك الذين يريدون المضيّ بسورية إلى مجاهل الظلام، فأثبتت سورية، وطوال السنوات الخمس التي مضت، أنّ لها إرادة لا تعرف الهزيمة في المضيّ إلى عتبات الضوء والحياة.