ووسائل الاعلام الغربية و الاميركية تحديدا تبشر ببدايات سقوط الاحلام الامبراطورية الاميركية و انكفاء القطبية الاحادية و الاعلان بأن هناك اقطاب اخرى في هذا العالم و ان رسم سياساته و مستقبله لم تعد تتحدد وفقا لعقارب ساعة البيت الابيض و حدها .
واذا كان اوباما وهو يتحدث في خطبه و لقاءاته التلفزيونية يحاول الظهور بمظهر المخلص وان المسألة له في سورية هي مسألة اخلاقية و انسانية ليس الا فان تردده و عجزه و تخبط اداراته في هذا الملف اظهر للقاصي و الداني ان القضية برمتها تعود الى الحضور الاميركي في عالم اليوم بعد حربين كبيرتين في افغانستان و العراق و خسارة اميركا .
لاكثر من ثلاثة تريليونات دولار هناك ومن ثم تورطها في ازمات مصر و ليبيا و تونس و اليمن و باكستان و غيرها من البلدان الشرق اوسطية التي انهكت جيشها و اتعبت اقتصادها كثيرا .
وقد ظهر هذا الانكفاء الاميركي عن قيادة السفينة العالمية بشكل منفرد منذ ما قبل بداية الازمة في سورية و تحديدا منذ غزو الناتو لليبيا حيث كانت بريطانيا و فرنسا تغزوان هذا البلد تحت عباءة الناتو و كانت ادارة اوباما في المؤخرة بحجة عدم توريط الجيش الاميركي حينا و عدم موافقة الشعب الاميركي ثانيا و ان كانت قد شاركت الى جانب هذين البلدين في تدمير ليبيا .
اما في سورية فبدا واضحا ان التردد كان سيد الموقف الاميركي والذي وجد ان اطالة امد الازمة هو الهدف الاول و الاخير له لتدمير جيشها و مؤسساتها ما دام فائض القوة الاميركي عاجزا عن تحقيق أي شيئ و اكثر ما ظهر ذلك خلال الازمة التي رافقت وجود المحققين الدوليين في سورية حيث لوح اوباما بالتوجه الى خيار العدوان و حشد اساطيله و بوارجه حتى قبل انتهاء التحقيق و قبل صدور النتائج الاولية للعينات التي اخذها الفريق و حتى قبل تحديد أي جهة دولية محايدة الجهة المسؤولة عن استخدام الاسلحة الكيماوية في غوطة دمشق ، ثم سرعان ماتراجع عن تهديداته بعد شعوره بالعجز و بعد ان انفض حلفاؤه من حوله مثلما كان واقع الحال في مجلس العموم البريطاني الذي صوت ضد أي عمل عسكري ضد سورية و كذلك مثلما كان الامر في داخل حلف الناتو الذي رفض امينه العام فكرة الضربة العسكرية ضد سورية .
وقبل هذا وذاك كانت ادارة اوباما تتعامل مع الازمة بصورة تجعلها تمتد الى اطول فترة ممكنة دون ان تكون قادرة على اسقاط الدولة السورية، وهي بذلك تحاول انهاك مؤسسات الدولة و جيشها و اقتصادها تمهيدا لاخراجها من معادلة الصراع العربي - الاسرائيلي .
ولتحقيق هذه الغاية كان لابد من نقل الفوضى الخلاقة التي نشرتها في طول افغانستان و عرضها و كذلك في العراق ووجدت في المنظمات الدولية ساحة الصراع المناسبة لاستصدار القرارات التي تحقق لها هذا الهدف فكان مجلس حقوق الانسان و الجمعية العامة المكانين المناسبين للضغط على سورية و اصدار القرارات المتتالية التي تدينها و تحاول تجريمها على ذلك يساهم في جلب اكبر عدد من الدول الى حظيرة اميركا لتوسيع تحالفها ضد الشعب السوري .
ورغم كل ذلك فان التردد و العجز كانا العلامة الفارقة في هذه التوجهات الاميركية العدوانية ففيما كان رئيس الولايات المتحدة يهدد بالعدوان و يلوح بالعصا الغليظة كان وزير دفاعه ورئيس اركان جيشه و كبار ضباطه في البنتاغون و السي أي ايه يعارضون أي ضربة عسكرية ضد سورية ، و فيما كان بعض مسؤوليه في وزارة الخارجية يضغطون باتجاه العدوان كان جون كيري وزير خارجيته مترددا و ضاغطا مرة تجاه الحل السلمي و مرة تجاه الحل العسكري .
و فيما كانت سورية تطالب الامم المتحدة بالتوجه الى سورية للتحقيق في مسألة استخدام الاسلحة الكيماوية كانت اميركا تضغط و تعترض على الطلب السوري من الامم المتحدة تحديد هوية الجهة التي استخدمت مثل هذه الاسلحة .
و في الوقت الذي كانت ادارة اوباما تتذرع بالاسلحة الكيماوية لتحقيق غاياتها و اهدافها في سورية كان الاعلام الدولي يفتح لها ملفات هذه الاسلحة في العراق و سيل اكاذيبها التي كانت السبب وراء غزو جائر لهذا البلد و تدميره بذريعتها ما اصاب الادارة الاوبامية بالاحباط و التردد من جديد .
هو اذا التردد و العجز و الاحباط و الفشل و الذي يقود بمجموعه الى بدايات الاعتراف بسقوط الاحادية القطبية و الانسحاب من كذبة شرطي العالم و الآمر الناهي و الاعتراف بالشركاء الاخرين !!.