|
أين باتت نظرية التحكم الأميركي بالسياسات الدولية؟ شؤون سياسية السؤال الذي يفرض نفسه بقوة هنا، بعد كل تلك الاعتداءات و الحروب الظالمة التي قامت بها الولايات المتحدة الأمريكية خلال تاريخها الأسود، و خاصة في العقدين الماضيين : من الجهة التي ستردع الولايات المتحدة و تمنعها عن افتعال العدوان ضد الدول المستقلة؟ و هي ما فتئت القيام بحروب عدوانية تحت ذرائع كاذبة تقوم استخباراتها و عملاؤها في العالم بإنتاجها و فبركتها، لتُعطي لنفسها المبررات التي تُغلفها بقضايا إنسانية و أخلاقية كحماية المدنيين وما إلى ذلك، مستخدمة المنظمة الدولية في كثير من الأحيان، حيث كانت لوقت قصير تعتبرها الإدارة الأمريكية مجرد مطية لها للعبور إلى أهدافها العدوانية في أي وقت تشاء، و عندما يتعثر الحصول على إذن دولي في بعض الأحيان كما حصل في احتلال العراق سابقاً و يحصل اليوم في القضية السورية، كانت الإدارة الأمريكية تصطنع السبب، و تضع المبررات أمام الرأي العام الأمريكي، و تشكل التحالفات اللازمة من أتباعها الضعفاء في القارة العجوز و تقوم بالعدوان متجاهلة المنظمة الدولية و القانون الدولي و الرأي العام الشعبي الذي كان دائماً ضد الحروب، و السؤال المهم في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ البشرية: هل أصبح واقع الأمم المتحدة و مجلس الأمن الدولي أفضل، من خلال توازن جديد يسمح بالحفاظ على القانون الدول و إلزام جميع الدول بمن فيها الدول العظمى ( كما أطلقت على نفسها ) بالانصياع للقانون الدولي و مواثيق الأمم المتحدة التي حددت بدقة كيف ومتى يُمكن استخدام القوة ضد الدول المستقلة ؟ هناك حقيقة يجب على جميع القوى الدولية الاعتراف بها و الإقرار بحصولها، و هي أن الدور الأمريكي و الغربي السلبي في القضية السورية و في ما قبلها من أحداث على ساحة الوطن العربي عبر الخريف العربي، كان دوراً موجهاً و منسقاً لتخريب و تدمير القوة الذاتية في كل المجتمعات العربية، و كانت السياسة الأمريكية في الوقت ذاته مساعدة للإرهاب الدولي العابر للحدود و على رأس التنظيمات الإرهابية التي نشطت بقوة في العراق و اليوم في سورية كان تنظيم القاعدة وفروعه المحلية التي تنامت بسرعة مذهلة في كل بلد وصلت إليها اليد الأمريكية، و هي حقيقة تم كشفها و فضحها من خلال وسائل الإعلام المختلفة و غيرها من الجهات المتابعة التي بينت دون أدنى شك حجم تعاون الإدارة الأمريكية مع تنظيم القاعدة الإرهابي، و ما تُقدمه الولايات المتحدة من مساعدات مالية و أسلحة و معلومات استخباراتية وغيرها من العوامل التي تُعطيها قوة و دفع للاستمرار في الأعمال الإرهابية المنافية للأخلاق و القانون و الشرع ؟ الآن ومع الصمود الأسطوري الذي حققه الشعب السوري و من خلفه الدولة و الجيش العربي السوري على مدار الأزمة التي قاربت عامها الثالث، و ما رافقها من تغيرات جوهرية في العلاقات الدولية و حصول توازن قوى جديد لمصلحة ظهور قوى دولية جديدة تواجه الصلف الأمريكي و تمنع الانفراد الأمريكي في قيادة العالم، بعد أن أثبتت فشلها في تحقيق العدل و السلم، بل على العكس تماماً كانت الولايات المتحدة خلال وجودها كقطب أحادي على رأس الهرم الدولي تُمثل الشرطي البلطجي الذي يُريد أن يؤدب الدول، و كل من خالفها الرأي يجب أن يُحاسب وفق سياستها الغبية، « من ليس معنا فهو مع الإرهاب، هكذا صور أمريكا بوش الابن ! « و اليوم على الولايات المتحدة أن تعود إلى شعبها الذي كشف السياسات الغبية لإداراته، و تسمع صوت العقل الذي عبر عنه قداسة البابا « فرانسيس « في الدعوة للسلام و التوافق و منع الحرب على سورية، و إن أية قضية مهما كانت ضخمة يُمكن للدبلوماسية الواعية أن تحلها وفق القانون الدولي و ميثاق الأمم المتحدة و المنظمات الدولية التابعة لها، لأن الحروب مهما حققت من انتصارات لجهة ما فإن نتائجها ستكون كارثية بحق الإنسانية، فالخاسر الأكبر في الحروب هم الأطفال و النساء و الشيوخ الأبرياء، و إذا كانت تتذرع الولايات المتحدة بالدفاع عن حقوق المدنيين عليها أن تكون قوية على ذاتها و تقف ضد الحروب، و إن من يدعو إلى الحرب و يُساهم في إشعالها هو ضد الإنسانية مع انتهاك حقوق المدنيين . من حق الشعوب و دولها أن تدافع عن أراضيها و مصالحها بكل ما أوتيت من قوة وعزم في وجه أي اعتداء و من أي جهة كانت، و قد أكدت سورية و حلفاؤها مراراً عديدة أن أي اعتداء على سورية سيؤدي إلى إشعال حرب طويلة الأمد في منطقة الشرق الأوسط، يكون أول الخاسرين فيها حلفاء أمريكا و أدواتها في المنطقة، و ستكون مصالح الولايات المتحدة في المنطقة و خارجها هدفاً مشروعاً للسوريين في كل مكان، و لاسيما أن الشعب السوري بكل فئاته وأطيافه يقف صفاً واحداً في مواجهة العدوان، و إن من يُبارك العدوان ويُهلل له هو خائن و ليس بوطني سواء أطلق على نفسه لقب معارض أم ثائر أم أي صفة، لأن المعارضة في السياسة من أجل تحقيق مصالح الشعب والدولة، وليس من أجل تدمير الدولة وإذلال شعبها، وسرقة خيراتها، السؤال المهم و المشروع الذي طرحه السيد وزير الخارجية وليد المعلم: ما مصلحة الولايات المتحدة في شن هذا العدوان لمصلحة جبهة النصرة الإرهابية و في منطقة تقع على برميل بارود ؟ و إذا كانت الحكومة السورية قد رحبت بالمبادرة الروسية الأخيرة بخصوص الأسلحة الكيميائية السورية، و وافقت على وضع قدراتها الكيميائية العسكرية تحت الرقابة الدولية، ليس من أجل منع العدوان و دحض الذرائع الأمريكية و الغربية فحسب، بل كذلك من أجل وضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته القانونية و الأخلاقية في القضايا الدولية الخطيرة، تعزيزاً للثنائية القطبية الجديدة، تعبيراً عن حسن النوايا السورية تجاه مؤتمر جنيف 2 المقرر عقده لتحقيق حل سياسي للأزمة السورية، و تُعد الخطوة قفزة نوعية في طريق نجاح الدبلوماسية السورية، و تفوقها على بوارج أعدائها وعلى قدراتهم التدميرية البربرية، ولا سيما أن الشعب السوري و قيادته السياسية يثقون تمام الثقة بالحليف الروسي، و يؤمنون بصدقية سياسته المدافعة عن العدالة و القانون الدولي، و في المقابل ليست هناك أي ثقة لدى السوريين بالأمريكيين و شركائهم في سفك الدم السوري، و إن عامل الحذر واليقظة من غدر الأمريكيين في حدوده القصوى، و هذا ما يُشكل عامل اطمئنان و ثقة بحكمة القيادة السياسية السورية لدى أغلبية الشعب السوري الصامد . Email: Mohamad.a.mustafa@Gmail.com
|