لم يوضح بما لا يقبل الشك أن إسرائيل ليست أكثر من يد استعمارية في قفاز صهيوني... فلا بد في هذه الحالة من مزيد من التحليل لطبيعة العلاقات الإجرامية التي تربط الاستعمار وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية من جهة بدويلة العصابات الصهيونية وأقزام تل أبيب من جهة أخرى،
لقد أصبح من الجلي ليس للأمة العربية وحدها، بل لجميع الشعوب المناضلة في العالم، أن الدويلة المسخ قد ولدت وترعرعت ربيبة للاستعمار ولقيطة فوق أرصفة احتكاريي واشنطن ولندن وبون... تجري في عروقها دماء الاستعمار والفاشية العنصرية... وينسجم في مشاريعها ومخططاتها التوسعية العدوانية مع مشاريع ومخططات المستعمرين.
فكأننا بهؤلاء الذين يميلون إلى الاكتفاء بالحديث عن خضوع السياسة الأميركية للنفوذ الصهيوني يميلون إلى الاعتقاد أن مجرد زوال هذا النفوذ- إذا كان ذلك ممكناً- يعني تغييراً في سياسة الولايات المتحدة الأميركية تجاه العالم العربي، ونزع الصفة الاستعمارية عنها، حتى ليبدو لنا أن هؤلاء لم يدركوا بما فيه الكفاية أن السياستين الأميركية والصهيونية جزءان من سياسة واحدة هي السياسة الاستعمارية المعادية لمصالح الشعوب في الحرية والتقدم.
إن ما هو أوضح من الشمس أن الاستعمار قد مهد للصهيونية منذ أكثر من نصف قرن لإقامة(دولتها) كحربة في جنب الأمة العربية بغية عرقلة نهضتها، وشل قدرتها على التقدم، والاستمرار في نهب خيراتها... وكان كلما ازداد العرب انتفاضاً على سيطرة الاستعمار ونفوذه، كلما تضاعف اندفاع المستعمرين في دعم وتقوية إسرائيل.. حتى أصبح ظاهراً- كما وضح العرب في الجمعية العامة للأمم المتحدة- أن اعتداءات إسرائيل تأتي بصورة خاصة أثناء توتر العلاقات بينهم وبين الدول الاستعمارية ذلك لأن العلاقة بين الاستعمار والصهيونية علاقة عضوية لا تقبل التجزئة.. فهو منها بمثابة الروح من الجسد.
إن الصهيونية كحركة استعمارية عنصرية منظمة تملك من التنظيمات والشبكات الاقتصادية والسياسية والتجسسية والإعلامية، السرية منها والعلمية ما يمكنها من التأثير على تفاصيل السياسة الاستعمارية. ولكنها تبقى كدويلة من صنع المستعمرين خاضعة لاستراتيجيتهم العامة. تكرس نفسها للحفاظ على مصالحهم، وتربط مصيرها بمصيرهم.. فهي تابعتهم وظلهم وصداهم. وتنفي إسرائيل وليدة النظام الإمبريالي العالمي أن المصلحة بين إسرائيل وسيدها الاستعمار مصلحة متبادلة.. لا تخرج في حقيقتها عن القواعد المحددة لنسب الأرباح التي تتقاسمها دول الاستعمار وشراذمه من مصها لدماء الشعوب ونهبها لثرواتها.. ومهمة إسرائيل الحقيقية في المنطقة العربية إلى جانب أهدافها العنصرية هي تأمين مغانم للمستعمرين مقابل حصة تتناسب ومدى إسهامها في تحقيق مخططات الاستعمار ضد الأمة العربية وضد الأنظمة التقدمية العربية في دمشق والقاهرة بشكل خاص.
فلم يعد وارداً اليوم وقد بلغ الوعي السياسي لدى الجماهير العربية إلى ذروته حول تقييم العلاقات بين الصهيونية والاستعمار- الاكتفاء بمجرد الاعتقاد أن الصهيونية هي التي تؤثر على سياسة الولايات المتحدة الأميركية وتوجهها الوجهة التي تريد.. بقدر ما هو واضح وحقيقي أن إسرائيل ليست غير مسخ استعماري وأداة طيعة في يد المستعمرين، وكلب حراسة للمصالح الاحتكارية ينبح ويحرك ذنبه عندما يزداد تهديد نضال الشعوب العربية للمصالح الاستعمارية في المنطقة.. وذلك لقاء حماية المستعمرين ودعمهم لأطماع إسرائيل ومخططاتها الخاصة إذ إنه في هذا الاتجاه تكمن مؤامرة طمس قسمات وجه النظام الامبريالي نفسه.
لقد أكدت الأحداث الأخيرة كل هذا بما لا يقبل الجدل كما أكدت أن النضال العربي ضد الاستعمار والصهيونية جزء لا يتجزأ من نضال الشعوب في سبيل القضاء التام على النظام الإمبريالي العالمي.
الثلاثاء 4/7/1967