تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


خيارات باكستان بعد رحيل مشرف

شؤون سياسية
الخميس 21/8/2008
توفيق المديني

أمام تزايد الضغوطات الخارجية و الداخلية على الرئيس برويز مشرف منذ عام تقريبا , و التي كانت تطالبه بالتنحي عن السلطة, انحنى هذا الأخير أمام العاصفة وأعلن تنحيه عن الرئاسة, ودافع في خطاب متلفز للأمة عن أدائه خلال 9 سنوات, في قيادة البلد, وأعرب عن قلقه البالغ على مستقبل باكستان, طالباً الصفح من الشعب, وأدى رئيس مجلس الأعيان اليمين الدستورية رئيساً بالوكالة.

وقال مشرف انه خدم بلاده طوال الأعوام الماضية »بأفضل صورة وأنقذها من أن تصنف »بلداً فاشلاً«, وأشار إلى أنه استقال من منصبه رئيساً بعد مشاورات مع حلفائه السياسيين ومستشاريه القانونيين, حرصاً على سلامة البلاد, ولتجنيبها الشقاق والانقسام, ودعا القوى السياسية إلى المصالحة ونبذ الفرقة والمواجهات. وقال انه يترك مصيره بين أيدي الشعب الباكستاني.‏

لم يكن تنحي الرئيس الباكستاني عن السلطة مفاجئاً في شيء للذين يتابعون التطورات الدراماتيكية التي حصلت في باكستان منذ سنة. فهناك مجموعة من العوامل الداخلية و الخارجية التي أسهمت إسهاما كبيرا في المآل الذي آلت إليه الأمور في باكستان.‏

ومن العوامل الداخلية:‏

أولا: بعد ثماني سنوات من الحكم العسكري بزعامة الجنرال برويز مشرف,اندلعت الأزمة الأولى , في ضوء قيام الرئيس مشرّف في التاسع من آذار/مارس 2007, لابساً بزّته العسكريّة ومحاطاً بقادة الأجهزة الأمنيّة, بطرد رئيس المحكمة العليا الباكستانية افتخار محمد شودري. التهمة المزعومة كانت سوء التصرّف. أمّا السبب الحقيقي فكان التحدّي الذي فرضه هذا أمام استئثار الجيش بسلطة الدولة بوسائلٍ غير شرعية.‏

لقد قادت الأزمة مع القاضي افتخار محمد شودري إلى تطور الاشتباك السياسي بين المجتمع المدني الذي تتزعّمه سلطةٌ قضائيّةٌ مستقلّة و بين الجيش . و في سنة 2007شهدت باكستان انبثاق معارضة ديمقراطية متمثلة في »حركة المحامين « التي قادت خلال الأشهر الأخيرة من السنة عينها أكبر حملة مناهضة للجنرال برويز مشرف منذ توليه السلطة في عام 1999.هؤلاء المحامون و القضاة الجدد ينفخون هواء منعشا في الساحة السياسية الباكستانية.‏

في باكستان التي يقودها العسكر منذ نشأتها عام 1947, سواء بشكل مباشر من قبل جنرال انقلابي(أيوب خان, ضياء الحق, برويز مشرف)أو بطريقة غير مباشرةعبر حكم مدني موجه عن بعد(بي نظير بوتو, نواز شريف), تشكل ثورة المحامين تحولا سياسيا مهما : النهوض القوي لقسم من ناشطي الطبقة الوسطى, الذين يريدون تحرير البلاد من الحكم العسكري. وتزاد نزعة الأنتي أمريكانية قوة في صفوف الطبقة الوسطى ذات الميول الليبرالية, التي تعتبر نفسها أنها خذلت بسبب نفاق إدارة الرئيس بوش الديمقراطية, التي تفضل مصالحها الاستراتيجية على حساب نشر الديمقراطية..‏

إنها »حركة ثورية«جديدة, وقفت في طليعة المدافعين عن رئيس المحكمة العليا القاضي إفتخار شودري.فهذه الحركة تعد في مدينة لاهور لوحدها 12000عضو ناشط. و أصبح القاضي افتخار شودري الذي تصادم في السابق مع الجنرال ضياء الحق(1977-1988) بمنزلة المثل الأعلى للمحامين , والمنارة في عملية المواجهة المباشرة مع الجيش لإجباره العودة إلى الثكنات,ومن أجل بناء دولة القانون.‏

ثانيا: من تداعيات اقتحام القوات الخاصة الباكستانية المسجد في شهر تموز 2007 , والعمليات الانتحارية التي شنها المقاتلون القبليون في شمال غرب باكستان ضد قوات الجيش والشرطة, والتي أسفرت عن مئات القتلى والجرحى, نهاية التحالف البنيوي بين الجيش الباكستاني والأصوليين الإسلاميين.‏

لقد اقتضت طبيعة النظام السياسي الباكستاني أن تغدو القوى الإسلامية طرفاً مهماً في معادلة توازن هذا النظام, ليس لميل أغلبية الشعب الباكستاني إلى الخيار الإسلامي فحسب, ولكن لما تحظى به المعارضة الإسلامية بقيادة مجلس العمل الموحد المعارض, الذي يضم ستة أحزاب إسلامية, من حضور سياسي بارز إثر الانتخابات البرلمانية التي أجريت عام, 2002 ونتيجة للتحالف الوثيق بين الإسلاميين والجيش منذ أيام الجنرال الراحل ضياء الحق, والذي منحهم حق تكوين إمارات إسلامية تابعة لسلطة نظام إسلام آباد.‏

ثالثا: اغتيال المرأة الزعيمة بي نظير بوتو بعد أن دخلت باكستان في دوّامة بين القمع العسكريّ والإرهاب الأصولي ; وبعد أن نُكِبَت البلاد أيضا بنوبةٍ جديدة من تطبيق الأحكام العرفية, كالتي عرفتها باكستان خلال عقود, وسجن المعارضة السياسيّة ومناضلي الحقوق المدنيّة, وتطهير السلطة القضائية, وتكميم وسائل الإعلام الحرّة نسبيّاً, وقبل ثلاثة عشر يوما من موعد الانتخابات التشريعية المقررة في بداية سنة 2008, والتي كانت تأمل بوتو أن تحقق فيها فوزاً عظيماً, سيلقي بظلاله على المشهد السياسي في هذا البلد النووي,الذي يواجه اليوم لحظة الحقيقة,في ظل العداء العام للجيش من قبل الشعب, والذي تستغله الحركات الأصولية المتطرفة.‏

وكانت عودة بوتو جاءت بعد الضغوطات الأميركية التي مورست على الرئيس برويز مشرف من أجل إبرام تحالف معها ,يدعم المركز المتضعضع للرئيس ,مقابل إشراك المعارضة العلمانية الليبرالية في حكومته , و تخلي مشرف من قيادته للجيش استجابة لمطالب المعارضة بإعادة البلاد إلى الحكم المدني. ويشار في هذا الصدد إلى أن منصب قائد الجيش هو الركيزة الأساسية لقوة مشرف. وكان هذا الخيار الأميركي الذي يقوم على إبرام تحالف بين مشرف وبوتو, الذي من شأ نه أن يعزز قوة الرئيس , في وقت انتشر فيه خوف غربي من تنامي قوة الإسلاميين المتشددين.‏

رابعا: قبول الولايات المتحدة بالتخلي عن برويز مشرف , حين وجدت البديل الأكثر شعبية على المستوى الداخلي. ففي الوقت الذي تعمل فيه الولايات المتحدة الأميركية على فرض رؤيتها فيما يتعلق بالحرب على الإرهاب على الحكومة الباكستانية الجديدة برئاسة يوسف رضا جيلاني , يقر نائب وزيرة الخارجية الأميركية , جون نيغروبونتي بأن الرئيس مشرف قد يلقى مصاعب في البقاء رئيسا للدولة.و قال إنها مسألة داخلية باكستانية,. والولايات المتحدة تحترم أي قرار يتخذه البرلمان الباكستاني في الشأن هذا.‏

بعد 11 سبتمبر, قدم بوش إلى مشرف إنذاراً نهائياً: إما التخلي عن دعم طالبان والانضمام إلى الحرب الأميركية على الإرهاب أو تحمل النتائج باعتباره عدواً للولايات المتحدة.‏

بعد ذلك استفادت أميركا من التسهيلات العسكرية حينها مقابل تجديد الالتزام طويل الأمد بتقديم المساعدات, وحصلت باكستان على لقب »حليف أساسي«.‏

وتم تجاهل نقاط حيوية بالرغم من المخاطر الهائلة التي ما زالت كامنة. وقدم الرئيس برويز مشرف تعهدات شملت إدخال إصلاحات داخلية ومحاربة التطرف الأصولي, والدخول في مباحثات سلام مع نيودلهي ومنع المسلحين من دخول كشمير ودعم حكومة قرضاي. فالالتزام بهذه التعهدات يعني تخلي باكستان فجأة عن كل السياسات الجوهرية التي سارت عليها منذ اليوم الأول لاستقلالها ونكران »القومية الإسلامية« التي كانت لمدة طويلة الدافع وراء الصراع حول كشمير مع الهند والسيطرة على أفغانستان.‏

تستعد الولايات المتحدة الأميركية لمرحلة ما بعد الرئيس مشرف, وسط خشيتها من عدم قدرة باكستان على الاستمرار في الحرب على الإرهاب, ومن حالة عدم استقرارهذا البلد الذي يمتلك سلاحاً نووياً ,إذتشعر واشنطن بالذعر من إمكانية انتقال القنبلة النووية الباكستانية إلى أيادي متشددين باكستانيين.وفي ظل غياب بديل موثوق,يبقى الغرب مقتنعا أن المؤسسة العسكرية هي الضامن الوحيد لبقاء هذا البلد متماسكا.و لا يوجد إلى الآن من بين المرشحين لخلافة مشرف في الرئاسة شخص يمثل استمراراً له.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية