تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


معركة إدلب حتمية.. وعودتها للسيادة السورية أمر لا مفر منه

دراسات
الثلاثاء 27-11-2018
ترجمة ليندا سكوتي

ما إن تم الاتفاق بين تركيا وروسيا حول إنشاء منطقة منزوعة السلاح في إدلب حتى ساد نوع من الشعور بأن الأمن في تلك المنطقة قد أخذ سبيله نحو التوطيد، إذا ما استثنينا من ذلك بعض الخروقات التي تقوم بها التنظيمات الإرهابية بين الحين والآخر،

وقد عزز هذا الاعتقاد تلك الهدنة التي مضى عليها عدة أسابيع بالرغم من الخطورة التي ينطوي عليها وجود جماعات متطرفة رافضة للاتفاق في المحافظة.‏

على مدى الأسابيع الماضية كان الجيش السوري منشغلاً بسحق فلول داعش في المنطقة الجنوبية من سورية مكرساً جل جهده لنشر الأمان في كافة المناطق التي جرى تحريرها من قبضة الإرهابيين الذين يقومون ببعض الهجمات المباغتة بين الفينة والأخرى على غرار ما جرى في السويداء أواخر شهر تموز من العام الحالي حيث قام المسلحون بخطف النساء والأطفال وبقي العديد منهن محتجزاً لدى هذا التنظيم على مدى أشهر الأمر الذي دعا سكان المناطق المجاورة إلى طلب الحماية من الدولة التي لم تتوان عن إرسال قطعات الجيش لقتال الإرهابيين في مواقعهم منذ ذلك الحين.‏

على أثر مباحثات أردوغان - بوتين التي انتهت إلى اتفاق بينهما على إنشاء منطقة عازلة بعمق 20 كلم تشرف عليها قوات تركية وروسية لضمان الفصل بين الجيش السوري والتنظيمات المتطرفة في محافظة إدلب، أوقف الجيش السوري عمليته العسكرية الوشيكة من أجل إعطاء فرصة للسلام في المنطقة.‏

خلال الفترة الماضية، تحركت الجهود السورية والروسية في اتجاهين الأول بقيام موسكو بتزويد دمشق بمعدات جديدة بهدف الاستعداد للعملية المقبلة في إدلب في حال فشل الاتفاق، أما الثاني متابعة بوتين والوفد المرافق له بذل الجهود الدبلوماسية بغية جلب بعض من خصوم سورية نحو محور روسيا-إيران- سورية ولاسيما الأوروبيون الذين أدركوا عقم التدخل في شأن السيادة السورية، لذلك عمدوا إلى النأي بأنفسهم عن الموقف المعادي الذي تعتنقه كل من الولايات المتحدة وإسرائيل والمملكة السعودية، حيث يبدو أن باريس وبرلين قد اتبعتا المسار نفسه الذي اتخذه الأردن وبدرجة أقل كل من قطر وتركيا، على الرغم من أن هذه الدول لا تعتبر صديقة لدمشق، بل إنها مجرد أطراف تستلزم الضرورة إجراء حوار معها لتعزيز المصالح الدبلوماسية المشتركة.‏

وقد وجدت موسكو بأنه ثمة إمكانية للتوصل إلى اتفاقية أو الشروع بمفاوضات غير معلنة مع كل طرف من تلك الأطراف، حيث يفضل إردوغان عقد اتفاقية مع بوتين بدلا من انتظار تحرير إدلب من قبل الجيش العربي السوري والجلوس بعدها على طاولة المفاوضات مسربلاً بثوب الهزيمة، ولكن الرئيس التركي يتطلع في ذات الوقت إلى اتباع إجراء يصار من خلاله إلى تأمين الحدود بين سورية وتركيا التي تسيطر عليها قوات سورية الديمقراطية، والحيلولة دون تقسيم الأرض السورية لصالح أطراف أخرى. أما الأردن فقد اتخذت قرارها بفتح المعابر الحدودية مع سورية ونفذت ذلك على أرض الواقع، لتكون الدولة الأولى التي تتخذ خطوات عملية لإصلاح ذات البين مع دمشق.‏

تعد مشاركة دولتين أوروبيتين «فرنسا وألمانيا» في قمة عقدها أردوغان وبوتين تطوراً لافتاً، حيث بدا اتساع الهوة بين واشنطن والعاصمتين الأوروبيتين الأمر الذي برز في مراسم الاحتفال بالذكرى المئوية للحرب العالمية الأولى في باريس. إذ طفت على السطح الخلافات السياسية والأيديولوجية بين ماكرون وترامب. في الحين الذي تبين به أن ترامب وميركل كانا على اختلاف في الآراء بشكل مستمر، ذلك لأن خيارات ترامب بالنسبة للشرق الأوسط، غداة الأعمال المدمرة التي ترتكبها إسرائيل والسعودية، أظهرت على نحو واضح الاختلاف معه وعدم الثقة به لدى الحلفاء الأوروبيين. كما بدا بوضوح صعوبة تعاطي ميركل وماكرون مع مشكلة اللاجئين الذين يتدفقون من مناطق في شمال أفريقيا والشرق الأوسط المدمر جراء الحروب التي تقودها الولايات المتحدة.‏

لقد تسارع إيقاع النهج الدبلوماسي الذي اتسم بالتراخي إثر إسقاط إسرائيل لطائرة روسية. إلا أن رغبة موسكو في عدم الانخراط بحرب مع تل أبيب حدت بقوات الدفاع الروسية لتسليم منظومة إس 300 للجيش السوري إضافة إلى منظومة إس 300-و400 الموجودة سابقاً. وبذلك فإن وجود مثل تلك الأنظمة المتقدمة والتهديد باستخدامها والتحسب الذي بدا من الولايات المتحدة بعد إسقاط الطائرة الإسرائيلية من طراز إف 35 بصواريخ تعود لسبعينيات القرن الماضي جعل إسرائيل تعيد حساباتها وتوقف اعتداءاتها على سورية.‏

لقد كان لهذا الوضع مع ما تم من اتفاق حول المناطق المحيطة بإدلب الأثر البعيد في الحد من الصراع القائم الأمر الذي أتاح الفرصة لإعطاء بعض الراحة وإفساح المجال لتجميع القوى والاستعداد للمعارك المقبلة.‏

تمثل الهدنة الحالية وقفة استراتيجية تماثل في واقعها ما تم في السابق في كل من محافظتي حمص وحلب، ذلك لأن العمل على تحرير إدلب يتناغم مع ما أقرته الدولة السورية بتحرير كل شبر سوري من الإرهابيين، كما تمارس موسكو المزيد من الجهود الدبلوماسية لتمهد الطريق لما تتوقع حدوثه في الأشهر القادمة، وتتزامن تلك الجهود مع الاستعدادات التي يقوم بها الجيش السوري لتحرير إدلب. وبناء على ذلك فإن نشر أنظمة دفاعية متطورة سيكون عامل ردع لكل من إسرائيل والولايات المتحدة التي ما انفكت تقدم الدعم والمساندة لمن تسميهم الجهاديين.‏

إن التحضيرات التي تقوم بها روسيا وسورية لتنفيذ معركة إدلب تواجه بعض المعضلات في هذه الآونة إلا أن تحرير المحافظة أمر لا بد منه، لكنه يتطلب تحضيراً سياسياً ودبلوماسياً وعسكرياً لضمان تحقيق النصر، حيث تسعى موسكو وحلفاؤها لمعالجة قضايا شائكة من خلال البحث عن حلول براغماتية وبسيطة، وطرح إستراتيجيات على المعارضين الجيوسياسيين الأمر الذي يحول دون الاندفاع نحو الحرب.‏

بقلم فريدريكو بيرشيني‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية