فالحرب على «داعش» التنظيم الإرهابي الأكثر شهرة اليوم باتت تدور في حلقة مفرغة، إذ كلما اشتدت حملات التحذير والتنبيه من خطر أفكاره وممارساته الإرهابية، وعقدت مؤتمرات على شرفه، واتخذت قرارات جديدة تحت عنوان محاربته وتجفيف منابعه المعروفة، ردّ هذا التنظيم بوحشية أكبر ووسع رقعة إرهابه لتشمل مناطق جديدة وتطال أبرياء جدد، وآخر أفلامه الهوليودية الصادمة في هذا المجال ذبح العمال المصريين في ليبيا، وكأنه يرفع من درجة التحدي والسخرية تجاه كل ما يقال حوله أو يتخذ ضده من مواقف..؟!
وفيما الأسئلة تزداد والمخاطر تتوسع وتتفاقم تبدو الرياح الدولية وكأنها تسير وفق ما تشتهي سفن هذا التنظيم، فتركيا وقطر وإسرائيل ومن ورائهما أجهزة استخبارات ودول ومؤسسات وأحزاب وفعاليات مختلفة لا تبدو مكترثة بكل ما يقال ويتخذ من قرارات في الأمم المتحدة أو في مجلس الأمن، فالعالم بدل أن يوحد جهوده في جبهة واحدة لدفع مخاطر هذا التنظيم وإرهابه المتوحش، سمح للدواعش ومن يقف في صفهم أو خلف ستارة أفعالهم الشنيعة أن يشتتوا الجبهات وأن يخلقوا لكل دولة على حدا تحدّياً أو مشكلة تواجهها بمفردها، الأمر الذي أسهم في إضعاف الحملة الدولية المعلنة والمزعومة على الإرهاب، وسمح لدول قزمة بالمعايير الإستراتيجية والعسكرية مثل «الأردن» أن تدعي قدرتها على مواجهة التنظيم وسحقها بمفردها، رغم أنها أحوج ما تكون لمن يحميها من نظامها الأحمق وينتشلها من مستنقع تورطه الساذج والغبي في دعم الإرهاب الذي يستهدف سورية بشقه «المعتدل» حسب التصنيف الغربي..!
وبينما يصرّ تنظيم داعش على نسف الحدود الجغرافية وعدم الاعتراف بها ويوسع دائرة استهدافاته وإرهابه شرقاً وغرباً متجاهلاً الكيان الصهيوني يهرق بعض السياسيين الصغار في هذا البلد أو ذاك ماء وجوههم على كيفية تبرير الإرهاب «بما في ذلك انتهاكات داعش»وتغطية جرائمه، والدعوة إلى فصل الجبهات وتشتيت الجهود ومنع التعاون والتنسيق في مواجهة الإرهاب بين هذه الدولة أو تلك أو بين هذا الجيش أو ذاك، ما يعكس إما ارتباكاً وتخبطاً في أحسن الأحوال أو تورطاً وانغماساً في دعم الإرهاب وتوظيفه لمصلحة أو غاية ما لم تعد خافية على أحد.
وإلا ما معنى أن يبرر «البعض» لتنظيم جبهة النصرة « كل ما يقوم به من إجرام ومجازر وانحطاط ويتغاضى عن تحالفها المعلن مع الكيان الصهيوني الذي هو رأس حربة الإرهاب في العالم، ما لم يكن في قرارة نفسه يدعم الإرهاب ويتحالف مع الصهاينة بشكل أو بآخر، وأكثر من ذلك، علينا أن نتساءل لماذا يغتاظ البعض ويصاب بالهستيريا والجنون عندما يتم تحقيق إنجازات متلاحقة ضد الإرهاب سواء في سورية أو العراق أو لبنان أو اليمن أو غيرها من الدول المقاومة للمشروع الصهيوني والغربي، ويقوم بالتطبيل والتزمير ويشغل أبواقه الدعائية من أجل الترويج لانجاز تافه وعديم الفائدة في مواجهة الإرهاب حين تقوم به دول بعيدة..؟!
ولعل السؤال الأبرز الذي يحتاج إلى إجابات شافية من بعض المتشدقين والناعقين في الإعلام العربي المضلل لماذا يشعر العالم كله بخطر داعش والقاعدة وباقي التنظيمات التكفيرية في حين تبدو إسرائيل غير معنية وغير مكترثة بكل التنظيمات الإرهابية القريبة من حدودها المزعومة، الجواب بكل بساطة لأن الإرهاب التكفيري يبرر الإرهاب الصهيوني ويشرعنه ويمنحه الغطاء والبيئة والظروف التي تساعده على البقاء والاستمرار، وينوب عنه في استنزاف محور المقاومة وإضعاف الدول والشعوب والجيوش المرشحة لمواجهة إسرائيل واستعادة الحقوق والأراضي التي اغتصبتها.
وثمة سؤال آخر لا يقل أهمية كيف لهذا التنظيم الإرهابي أن ينتشر بهذه السرعة من منطقة إلى أخرى وأن تتغلغل ثقافته المنحرفة بهذا الشكل، ويتحصّل على هذه التغطية الإعلامية المنقطعة النظير وتوفر له هذه التكنولوجيا الهوليودية المتطورة في إنتاج أفلامه المرعبة التي تبث على الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، ما لم يكن ثمة رغبة غربية في إعطاء كامل الفرصة لهذه الشراذم الإرهابية المجرمة، الغريبة عن واقعنا وبيئتنا وثقافتنا ولغتنا، كي تنفذ المهمة الموكلة إليها في تشويه صورة الإسلام النقية السمحة التي جاء بها نبي الرحمة والإنسانية، ما يسهل لأعداء الأمة مهمة الانقضاض عليها وإضعافها وتحطيم صورتها الحضارية..؟!