تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


ثقوب واسعة.. ثنائية الروح والجسد

ملحق ثقافي
2018/11/27
نور طلال نصرة

في ثنائية حيّة، هي ثنائية الروح والجسد، وفي تسعين صفحة من القطع المتوسط جاءت نصوص هذه المجموعة الشعرية للشاعرة الفلسطينية فاتنة الغرّة المقيمة في بلجيكا عن دار المتوسط في إيطاليا- ميلانو.

‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

نلتمس في هذه المجموعة لغة دافقة استمدت وعيها واستمرارية تدفقها ممّا وقع تحت ناظري الشاعرة من أدوات سخرتها لخدمة قصيدتها، من الكلمة المتجذرة في تحولها إلى رؤية شعرية سائرة بحيوية نحو “أنا” الشاعرة التي أفضت لها لتقول في مقطع من قصيدة “ثِقَل” متحدثةً عن رأسها:‏‏

تتجمّع فيه الحشرات‏‏

تصرخُ فيه كائنات‏‏

به تتشكّل لغات‏‏

حضارات تُقامُ، وفيه تهدم‏‏

تدورُ فيه حروبٌ، وتُعزف كونسرتات‏‏

تطالعنا الشاعرة التي تنهض من خلف قضبان الشّعر لتتحدث عن القلب وكأنه مجرد عضو لا هوية له سوى أنه يختزن منسوباً كبيراً من الألم قد ينفذ إلى التراب ويقتلع حديد القضبان بقصيدة شعرية، فتقول:‏‏

وقلبي هناك في تلك الزنزانة الصدئة‏‏

يرقد فيه العفن‏‏

تتجمع تحته بركة جافة لزجة‏‏

تخنقه رائحة الحيطان الباردة الخضراء‏‏

**‏‏

المرأة الفلسطينية بثوبها المطرز وبكوفيتها الشامخة لا تهاب المحتل، ترد ظلمه بشجاعة رضعتها من حليب والدتها وورثتها من صوت أبيها، إلاّ أن القلق لا يفارق كيانها المتعب، كيانها المثقوب، ومع ذلك ترنو للحياة من ثقب واسع، ففي مسيرة النضال، الموت لا يعني شيئاً سوى أنه نتيجة مرادفة للحياة، ولا نزعة أقوى من نزعة البقاء، فتقول في قصيدة ضباب:‏‏

روحي قلقة‏‏

كومة شوك مبللة‏‏

تسد النافذة من احتراق الأرض‏‏

لتدخل منها الحياة كاملة.‏‏

كما تتحدث عن الموت في قصيدة أخرى وترحب به وكأنه ضيف محببٌ ومنتظَر لعاشقة تنتظر حبيبها، أو لزوجة تنتظر زوجها أو لراهبة تستقبله بالبخور. الشاعرة التي لا تستطيع وإن كتبت عن عشقها سوى أن تستحضر مناضلي أرضها وهم يُضربون عن الطعام ليرفرف الشعر فوق هضاب البيلسان.‏‏

النكهة الأنثوية طاغية على مجمل نصوص الكتاب كما أنّ الروح والجسد صنوان في المجموعة، إلا أن الشاعرة وكما أرادت أن تقول إن للروح فضاء أوسع، لهذا لم يقتصر الجزء الثاني من الكتاب على الجسد فقط بل الروح والروح بالرغم من تفرد الروح كعنوان منفرد للجزء الأول:‏‏

أجلسُ على العتبات‏‏

أفتح المزاليج‏‏

أقشّرها‏‏

كلّ عتبة تأخذني‏‏

إلى مدينة من الأشباح‏‏

المرايا تعبثُ بي‏‏

تُريني وجوهاً مختلفةً لوجهي‏‏

روحي تتقاسمها المرايا‏‏

قلبي يتناثر وريقاتِ وردٍ‏‏

في سلّة عرسِ حبيبين‏‏

**‏‏

إنها الأنثى حين تحوّل المرآة لمشهد كامل المواصفات في قصيدة وترسل وجهها ليجسّ نبضاً مفقوداً، تشييء الصوت واعتبار فردانيته أمراً لا خلط فيه، الصوت النابع من مكمن الألم وكأنه وديعة يرتجف عند كل ذبذبة مختلة:‏‏

ضجيج كائنات في رأسي‏‏

صمتٌ فيه كلّ الكلام‏‏

صوتي يصرخ هناك‏‏

بلُغةٍ مفهومة‏‏

أقلّبُه بين يديّ‏‏

متأمّلة ذلك الشيءَ العجيب.‏‏

لم تطعن الكاتبة بقدرة الجسد على الطواف إلى أقاصي الرغبة إلاّ أنها تميل في نصوصها لانتقاءات الروح، الروح القادرة على التشظي والنهوض بعد الانكسار، أما الجسد فيخلق موكبه الخاص في النسق الشعري لممارسة حرية الانقسام على نفسه والالتحام مجدداً.‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية