تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


رَجْعُ الصدى

ملحق ثقافي
2018/11/27
ميساء محمد

تاهتْ العيونُ في سوادِ الآه. تسألُ إلى متى بحارُ الدموعِ تصنعُ زوارقها في ضجيجِ الألم. سافرت الروح، واحترقت أناشيدُ الأملِ في غابات النسيان. عندما سرقَ الموتُ ضحكةً كانت تضجُّ بالمكان، ووجوداً كان يصخبُ الحياة.

‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

سامرٌ وندى عاشقان مُذْ وُلِدا.‏

كانت ندى ابنة عمّه ويسكنان في الحيّ نفسه.‏

كبرا سويّاً وعاشا في كنف عشقٍ لم يشهده إنسان، وحبّ مقدّسٍ طاهر.‏

تخرجا من الجامعة وتزوّجا بعد صراعٍ ورفضٍ من والدي ندى.‏

هي الطبيبة النشيطة الّتي أحبّها الجميع، وسامرُ موظّفٌ يعيشُ على راتبه، تحديّا الجميع، تزوّجا وعاشا حياةً مليئةً بالسّعادة والبهاء. أنجبا محمداً وقاسمهم الفرح والدفء.‏

مرّت الأيامُ والأشهرُ والسنون، وصار محمّد ابن الأربعِ سنوات شذىً لحياة سامر وندى.‏

وفي أحد الأيّام أصرّ محمد على الذّهاب مع أمّه إلى المستشفى التي تعمل فيه. في ذاك اليوم ألبس سامرٌ ابنه محمد ثياباً جديدةً، وسرّح له شعره الأسودَ، وأوصاهُ بألاّ يثيرَ غضبَ والدته.‏

خرجتْ ندى مع محمد إلى المشفى وذهب سامرٌ كعادته إلى عمله. مرّت الساعات وكان محمّدُ في غاية التّهذيبِ والأدب.‏

في الساعة الثانيةِ ركبا حافلةَ المشفى مع عددٍ من الممرضين والأطباء. كلٌّ إلى منزله، وفي طريق العودةِ اعترضتهم ثلّةٌ من المسلّحين. لم يتوقفْ السائقُ، فأطلقوا نيرانَ حقدهم بشكلٍ عشوائيٍّ ليستشهدَ عددٌ من الأطباءِ والممرضين.‏

أصيبَتْ ندى الحاملُ في شهرها السابعِ في رجلها، وأصيبَ محمّد برصاصةٍ في يده. اتصلتْ ندى بحبيبها سامر، وردّدت كلماتٍ لم ولن ينساها أبداً...‏

«أشهر عينيك عني لينتفضَ حزني. أناعميقةٌ كحبي لك. أمهلني لحظةً لأرسمَ على جبين القمرِ حكايةَ عشقي». واصلت بلهفةٍ: أنقذنا يا سامر لقد أطلقوا النارَ علينا، وأغلق الخط بعد أن سُحبَ الجوال من يدها.‏

قيدَتْ ندى ومن معها إلى بيتٍ مهجورٍ بعد وضعهم في حافلة لُوّنَ بللورها بالأسودِ. كانت مضرجةً بالدماء وكان محمّدُ يصرخُ من ألمه. قيدوها ورموا بها على سريرٍ من الحديد، وبدأوا بتعذيبِ محمّدٍ بأشدّ الأساليبِ أمامَ ناظري أمّهِ. في حينِ أنّ سامراً كادَ يفقدُ عقلهُ.‏

استمرَّ التعذيبُ لعدّةِ أيامٍ. في صباح يومٍ كئيبُ الطلّةِ، قامَ أحدهم ببقرِ بطنُ ندى وهي على قيدِ الحياةِ. فقدتِ عقلها من شدّةِ الألمِ.‏

قام ذو اللّحية الحمراء بإطلاقِ رصاصةٍ على الجنين الّذي لم يُبصر النّورَ. خافوا منه وهو في بطنِ أمّه. فارقت ندى الحياةَ من شدّة النزف والألمِ.‏

عادوا إلى محمّدٍ ابن الأربعِ سنواتٍ لينقشوا بسجائرهم على جسده الصّغيرِ عبارات عهرهم..‏

بعد عدّةِ أيامٍ أطلقوا الرصاص على جسده ليردوه شهيدَ الفجرِ، ليتوسّدَ ركبتي التاريخِ المخضّبِ بالنجومِ.‏

وحدها أصابعُ المطرِ تعيدُ معالمَ الحياةِ لسامر الذي توقّفت محطّاتُ الفرحِ في حياتهِ.‏

صارَ رجعاً للصدّى، وربّما أصبحَ ناياً يشّقُ درباً ما مرّت عليه خطىً. يغنّي كالينابيعَ العتيقةَ للغيابِ. نايٌّ جريحٌ يُطربُ الوقتَ الحزينَ، علّهُ يصل المدّى أو علّهم يرجعونَ إليه..‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية