والأسباب الحقيقية التي دفعت بالساسة الأوروبيين لتغيير مواقفهم الصلبة تجاه قضية إنسانية بامتياز، حيث بدأ التعاطي معها على أساس عنوانها البراق في حين تتجه تحليلات ما وراء الكواليس إلى مضمون هذا التغيير والأسباب غير المباشرة التي تدور في عقلية المسؤول الغربي الذي كان في السنوات الماضية على الأقل في أدنى درجات الإنسانية مع ما يصيب العالم بشكل عام ومنطقة الشرق الأوسط بشكل خاص من ويلات انهمرت على شعوبها بسبب دناوة وخبث تلك السياسات.
وإذا تجاوزنا دافع التعاطف الإنساني مع اللاجئين عقب وقائع الموت المأساوية، وخاصة مأساة غرق الطفل السوري إيلان كردي، إلا أن لدى ألمانيا، لا شك، دوافع أخرى لفتح أبوابها أمام اللاجئين السوريين، ولاسيما مع تحفظ أغلب شركائها الأوروبيين وتحذيرات بعضهم من تداعيات هذه الموجة الكبيرة والقياسية على مستقبل القارة.
حيث بدأت تدور تخمينات مختلفة حول سبب كرم (الضيافة) الألمانية للاجئين وبخاصة السوريين منهم.
يشير خبراء في هذا الصدد إلى سبب يرونه رئيسا في استجابة برلين للتعاطف الكبير لدى الألمان تجاه اللاجئين السوريين، يتمثل في محاولة ضخ دماء جديدة في مجتمع يعاني من حالة شيخوخة مزمنة، لم تفلح معها إجراءات الحكومة في الحد منها بتشجيع زيادة النسل ورفع معدل الولادات.
ولألمانيا أقوى اقتصاد في أوروبا ونسبة البطالة فيها الأقل بعد النمسا ولوكسمبورغ وهولندا، ومع ذلك تقول تقارير ألمانية أن البلاد بحاجة في السنوات المقبلة إلى 1.5 مليون ونصف المليون من الأيدي العاملة للمحافظة على وتيرة اقتصادها المرتفعة.
وفي إطار تلك الإجراءات جمّدت برلين عمليا تطبيق اتفاقية دبلن بقرار مكتب الهجرة واللاجئين وقف إجراءات ترحيل اللاجئين السوريين إلى الدول التي سبق أن دخلوا إليها، وتركوا (بصمتهم) فيها، بالتزامن مع تدفق الآلاف منهم مؤخرا إلى ألمانيا برا عبر اليونان ومقدونيا وصربيا وهنغاريا والنمسا.
وفيما تتخوف دول جوار ألمانيا، وخاصة هنغاريا، من موجة اللاجئين الحالية وتداعياتها المستقبلية، حتى أن رئيس حكومتها فيكتور أوربان وصف الوضع الحالي بأنه (موجة جديدة من عصر الهجرات)، تستعد ألمانيا لاستقبال حوالي 800 ألف لاجئ ومهاجر العام الجاري، ما يزيد عن العدد الذي استقبلته في العام الماضي بأربعة أضعاف.
حال اللاجئين في دولة
الرعب والنهب
تركيا هي الدولة الأقرب حدودياً إلى سورية والتي كان الكثير من السوريين يتطلع للسفر إليها، كما كانت قبل الأزمة المكان الأقرب للتسوق، لكنها باتت الآن الأكثر مسبباً للرعب والخوف، فسارقوا الأعضاء البشرية في الغالب يحملون الجنسية التركية كما تشير المصادر.. وكذلك المسؤولون عن تهريب السوريين خارج البلاد.
أزمير مكان لا بد للاجئ من المرور به وغالباً ما يكون الوجهة الأولى بنظر اللاجئ ، ظناً منه أنه سيلقى المعونة المطلوبة والمال والإقامة والمساعدة سواء قرر البقاء أو السفر لدولة أخرى، لكن ما يجهله المهاجرون عكس ما يروج له الإعلام الغربي فشوارع ازمير تكتظ باللاجئين شبه مكومين على الأرصفة دون مساندة أو معيل مهما تغيرت وبلغت الحاجة بهم.
الحدائق والشوارع في ازمير بؤر (شرعية) لاصطياد اللاجئين حيث أن المهرب الأكبر لا يظهر في الصورة ولا يعرفه إلا عدة مهربين مازالوا في بداية الطريق لتعلم التهريب أي (صبيان التهريب) ، الذين بدورهم لا يعرفون المهرب الأصيل إلا عن طريق شخص معين, وبحسب جنسية طالبي التهريب يتقرب منهم (المهرب الصبي) ليستفسر منهم عن وجهتهم ليساومهم على الأسعار وأجور النقل مخلياً مسؤوليته مابين موت وحياة، حيث تبدأ الأسعار من ١٠٠٠ إلى ١٧٠٠ دولار.. ومن يرغب بالسفر أسرع يدفع أكثر فالأمر مشابه لرحلة بحرية صغيرة بحسب قول المهربين وإلا فعلى اللاجئ الانتظار يومين ليسافر بـ ١٢٠٠ دولار.. والوجهة أزمير غالباً.
موجة ضغوطات وتضامن
مع سيل اللاجئين البشري
ضغوطات دفعت بالحكومات إلى تغيير مواقفها الصلبة تجاه قضية اللاجئين، ففي بريطانيا تعرض رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون إلى حملة داخل المملكة المتحدة وخارجها للاهتمام بقضية اللاجئين.
وقالت صحيفة صانداي البريطانية، إن لندن تعتزم استقبال 15 ألف لاجئ سوري، وتوسيع برنامج إيواء الأشخاص الضعفاء وشن عمليات عسكرية على مهربي المهاجرين.
سيدني بدورها تعتزم مشاركة الدول الأوروبية تقاسم اللاجئين في قضية شغلت الرأي العام العالمي بعد الزحف الهائل للباحثين عن أوطان بديلة في القارة العجوز.
وأعلن رئيس الوزراء الأسترالي، توني أبوت، أمس أن بلاده تعتزم استقبال المزيد من اللاجئين من المخيمات على الحدود بين سورية والعراق، شرط اتخاذ تدابير أمنية،
وفي حديث صحفي، قال أبوت إنه من المهم أن توجد أيضا احتياطات أمنية قوية، مشيرا إلى أن وزير الهجرة الأسترالي، بيتر داتون، سيسافر إلى جنيف للاجتماع مع المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين حول طبيعة المساعدات الإضافية التي يمكن أن تقدمها أستراليا.
مكافحة المهربين
في أعقاب الصدمة الناجمة عن صور الطفل السوري الذي مات غرقاً وعثر على جثته على رمال شاطئ تركي، وضعت السلطات الأوروبية في رأس أولوياتها هدفاً يقضي بمحاربة جيش من ٣٠ ألف مهرب تشتبه في أنهم يتاجرون بالبشر.
وبحسب ما نقل موقع «٢٤» من مقتطفات عن التقرير فإن بعض المهربين أرغموا مهاجرين على الصعود إلى زوارق قديمة مهددين إياهم بالمسدسات بعدما أدرك هؤلاء خطورة الإبحار على متنها .
وقال المسؤول عن مكافحة شبكات الجريمة المنظمة في إطار المكتب الأوروبي للشرطة (يوروبول)، روبرت كريبينكو هذه أولويتنا بالتأكيد ليس من قبل اليوروبول فقط، بل على صعيد جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي . وأضاف كريبينكو إن الاتجار بالبشر لا يشكل خطراً كبيراً على الراغبين في الهجرة فقط بل يمثل تحدياً كبيراً لجميع الدول الأعضاء أيضاً، سواء على الصعيد الإنساني أو الأمني .
وأكدت إيزابيلا كوبر المتحدثة باسم الوكالة الأوروبية لمراقبة الحدود (فرونتكس) أن الاتجار بالبشر الذي يشبه أحياناً الاستعباد الجنسي والاستغلال في وظائف بأجور زهيدة، هو التجارة الأكثر ربحاً على ما يبدو من كل الأنشطة الإجرامية، ويتخطى حتى تجارة الأسلحة وتجارة المخدرات.
ويدأب المهربون على استخدام شبكات التواصل الاجتماعي مثل فيس بوك وسواه للتعريف بخدماتهم والتفاوض على أسعارها وتنظيم مسارات المهاجرين، كما ذكر الإنتربول وفرونتكس.