وأبناء غزة الذين وصلت أوضاعهم الإنسانية إلى حالة لم تعد محتملة, ما دفعهم بغريزة البقاء كأحياء, إلى اختراق الحواجز المفروضة عليهم في معابر رفح, لتأمين الحدود الدنيا لأسباب استمرار الحياة, ورغم ذلك فإن مسلسل الموت اليومي الذي يتعرض له الغزاويون, مازال مستمراً, ومازال الأطفال والمرضى في المستشفيات يموتون بسبب قلة الدواء والغذاء والكهرباء والتدفئة. وهذا الوضع لايمكن وصفه, إلا بالمجزرة الجماعية بحق شعب رفض الاستسلام والركوع, والتخلي عن حقوقه التاريخية المشروعة في وطنه فلسطين, بل وحقه في المحافظة على كرامته الإنسانية والوطنية, ويكفي التذكير أنه وفي يوم واحد ارتفع عدد ضحايا الحصار الإسرائيلي إلى 74 مواطناً فلسطينياً يعانون من مختلف الأمراض في مستشفيات غزة.
وكان المدير العام للإسعاف والطوارىء في غزة, قد حذر, بأن هناك مؤشرات خطيرة بسبب ارتفاع عدد الوفيات للحالات العادية والمرضى المزمنين في المستشفيات والمنازل جراء نقص كميات الدواء والعلاج الأساسي ( وأكد بيان لوزارة الصحة الفلسطينية في غزة أن ( أكثر من 1700 مريض ينتظرون الموت خلال ساعات في مستشفيات غزة) وحيال هذه الكارثة الإنسانية الفظيعة, فإن حكام إسرائيل,يتبجحون بأنهم لن يرفعوا الحصار عن غزة, إلا بعد وقف اطلاق الصواريخ, ولم يؤلم السفاح القاتل أولمرت سوى أن هذه الصواريخ البدائية جداً, تجعل أطفال كيانه ( يتبولون) في فراشهم ليلاً خوفاً من هذه الصواريخ, بينما لم يتحدث أحد في هذا العالم الظالم عن الصواريخ والدبابات الإسرائيلية التي تقتل العشرات يومياً من أطفال ونساء وشيوخ فلسطين الأبرياء!!.
ودون خجل يدعي أولمرت وأقطاب حكومته العنصرية الفاشية بأن حصارهم لغزة هو معاقبة شعب لاختياره (الإرهابيين) في حكومتها ورداً على هذه الصواريخ, ولكن نذكر من ليس لديه ذاكرة ولا يرد أن يتذكر, بأن إسرائيل لم توقف عملياتها العسكرية العدوانية ضد غزة والضفة الغربية, حتى أثناء أوقات الهدنة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي, عندما التزم الفلسطينيون بهذه الهدنة ولم يقوموا لا بإطلاق هذه الصواريخ ولاحتى بأية عملية مقاومة ضد المحتلين الصهاينة, بينما إسرائيل لم تتوقف يوماً عن القصف بالصواريخ ومدافع الدبابات ولا عن اجتياح المدن والقرى الفلسطينية واعتقال المناضلين, أثناء الهدنة, إذاً فالمسألة ليست مرتبطة بهذه الصواريخ البدائية, بل ببقاء شعب فلسطين رافضاً الاستسلام والخنوع والركوع للشروط الإسرائيلية المجحفة والظالمة بحقوق هذا الشعب الذي حرم من العيش بحرية في وطنه التاريخي وإسرائيل وحلفاؤها الأميركان وغير الأميركان يعرفون جيداً أنه من الممكن أن يسود السلام ليس فقط في فلسطين بل في المنطقة العربية بأكملها لو التزمت إسرائيل فقط بالقرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن الدولي والقاضية بإنسحاب إسرائيل من جميع الأراضي العربية المحتلة وعودة اللاجئين الفلسطينيين المشردين إلى ديارهم, وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس بينما ترفض إسرائيل كل هذه العوامل الأساسية للسلام, تعمل لفرض ذلك (السلام) الذي يقر باستمرار احتلالها لأجزاء واسعة من الضفة الغربية والتي شيدت إسرائيل فوقها المستوطنات اليهودية غير الشرعية وغير القانونية والتي من المفترض أن تكون هذه الأراضي داخل نطاق الدولة الفلسطينية المزمع إقامتها في غزة والضفة الغربية, ولايوجد أي نية لدى إسرائيل لإزالتها, والأكثر خبثاً وتحايلاً, أن إسرائيل وعوضاً عن إزالة هذه المستوطنات غير الشرعية والتي يطلقون عليها أحياناً (العشوائية) فقد ضمتها إلى المستوطنات الكبرى والتي لا تمتلك بدورها أية شرعية من وجهه نظر القانون الدولي, لتحمل اسم هذه المستوطنات الكبرى, وأخذ تتحدث عن تقليص عدد المستوطنات, بينما لم يتقلص سوى الأسماء والتسميات, فعن أي سلام يمكن الحديث في ظل سياسة حكام صهاينة لايملكون لاقيماً إنسانية ولايحترمون أي قانون من قوانين المجتمع الدولي ولايلتزمون لابالمعاهدات ولا بالاتفاقيات التي وقعوا عليها, إنه النفاق والتضليل الصهيوني المعهود, وكان رئيس الأركان الإسرائيلي الأسبق موشي يعلون واضحاً في مطالبه لما يسميه (السلام) عندما ربط مسيرة التسوية بإجراء اصلاحات في الوسط الفلسطيني في خمس مجالات هي: (التعليم والقانون, والنظام والأمن, الاقتصاد والسياسة, ودون ذلك لا أمل بتحقيق السلام مع الفلسطينيين) ومفهوم ماذا يريد موشيه يعلون مثله مثل جميع زعماء الكيان الصهيوني من هذه المطالب الخبيثة والواضحة, وباختصار مايرمي إليه يعلون في ذلك هو: أن يحذف الفلسطينيون من قواميسهم السياسية والتعليمية, فكرة إسرائيل ككيان عدواني ومغتصب للأرض الفلسطينية والكف عن المطالبة بالحقوق القانونية والشرعية للشعب الفلسطيني بالعودة وتقرير المصير, أما المحافظة على النظام والأمن, فيقصد فيه إنهاء المقاومة الفلسطينية الباسلة وإلقاء السلاح وبالتالي رفع رايات الاستسلام للذئب الإسرائيلي ليصبح الحمل الفلسطيني لقمة سائغة بين أنيابه ويقصد باصلاحات اقتصادية وسياسية, أن يربط الفلسطينيون كيانهم المستقبلي الفلسطيني بعجلة الاقتصاد الإسرائيلي والقرار الإسرائيلي لكي يتم حرمانهم نهائياً من أي سيادة واستقلال وطني, ليصبح هذا الكيان الفلسطيني مرتهن بالكامل بالكيان الصهيوني وتابع له بشكل مطلق, ما يحرمه من أن يكون مرتبطاً بمحيطه العربي والقومي, وعملياً خلق كيان فلسطيني الشكل وإسرائيلي المضمون, متحكم به بالمطلق كما تتحكم إسرائيل بأي مدينة أو قرية داخل كيانها, وإذا لم يقبل الفلسطينيون بذلك فإن الموت والحصار والجوع, سيكون هوالسيف المسلط دائماً فوق رقابهم, وهذا مايطبقه حكام إسرائيل اليوم على قطاع غزة المتمرد على مشيئه وارادة إسرائيل وحليفها الأميركي المتحللين من أي قانون دولي وإنساني كما لم يشهد التاريخ مثيلاً له من قبل ولكن إرادة الشعب الفلسطيني الوطنية لن تكسر وتقف معه الشعوب العربية وشعوب العالم التي ما زالت ضمائرها متوقدة.