فهل الموساد والشاباك والاستخبارات لم تنقل إلى الحكومة المعلومات التي يعرفها كل شخص في البلدات الإسرائيلية المحيطة بغزة?.
لاشك أن من يسمع الانفجارات المخيفة لنار المدفعية في ضواحي بيت حانون كلما كان يطلق من هناك صاروخ قسام, يمكنه أن يقدر بأن حدود المعاناة الإنسانية توشك على التحطم, ومن رأى في الاسبوعين الأخيرين قوافل الشاحنات المحملة بالغذاء من إسرائيل تعود من معبر كارني دون أن تنزل شحناتها, عرف بأن هناك جوعاً في القطاع.
لاحاجة لوحدات التنصت المجيدة للجيش الإسرائيلي كي يعرف المرء بأن 10 أنفاق تهريب من الحدود المصرية بل وحتى مئات الانفاق لايمكنها أن تغذي مليوناً ونصف المليون جائع.
فيا وزراء الحكومة, كي لاتقولوا مرة أخرى إنكم فوجئتم, فإنني أحذركم بأن الاقتحام التالي والهائل الذي سيتدحرج ككرة الثلج من القطاع, ويحطم الجدار الذي يغلف غزة لن يكون باتجاه مصر بل باتجاه إسرائيل.
الاقتحام التالي لن يتم لأن حماس ستنظم الحافلات مع الاعلام والشعارات, هذا الاقتحام سيقع في اليوم الذي ينفد فيه الماء من المخزونات الجوفية للقطاع.
ليس صعباً أن نحسب متى ينفد الماء, إذا لم يكن لديكم خبراء في تل أبيب, تعالوا إلى غلاف غزة, يعيش هنا مزارعون مجربون, خبراء في المياه, يسكن هنا بعض من كبار الخبراء في شركة ( مكوروت) (شركة مياه) وهم يقدرون متى سيحصل هذا خاصة في سنة جفاف كهذه السنة, فالجفاف يقصر جداً الوقت, القصير على أي حال.
لايمكن لأن مناورة إعلامية منسقة مع قناة (الجزيرة) أن تخلق تلفيقاً لعطش في المياه, الناس العطشى ليسوا أدوات لعب بيد سياسي متزمت, وروحهم لاتخضع لأي اعتبار.
العطشى لايفكرون , فهم يسيرون مسحورين نحو مصادر المياه الأقرب, وبالنسبة لهم هذه المصادر هي خلف الجدار, حيث توجد وفرة من المياه وسيندفعون بكثافة نحو هذه المياه.
كل مخزون السلاح لدى إسرائيل سيكون عديم القيمة أمام الكتلة الإنسانية التي تتحرك بتصميم من ينعدم لديه البديل, آلاف النساء الحوامل, أمهاتهن العجائز وخلفهن مئات آلاف الأطفال والرجال العطشى, ووجهتهم جميعاً نحو صنابير مياهنا. ساعة الرمل لهذه الاخرة مصنوعة من ملح البحر, ملح يحتل يوماً بعد يوم مخزون المياه الجوفية في غزة.
وليعلم زعماء إسرائيل المتفاجئؤون دوماً أنه لايمكنهم الادعاء بأن كل شيء هو من صناعة الاعلام أو للاستثمار السياسي, الاقتحام الفلسطيني لمصر حصل بسبب الجوع, الاقتحام المستقبلي لإسرائيل سيكون بسبب العطش.
العطش أقسى من الجوع, لايمكن الصمود أمامه, قوة المندفعين نحو المياه ستحطم كل سور مهما كان عالياً أو سميكاً.
وحول الموضوع نفسه, كتب تسيفي برئيل في الصحيفة ذاتها أنه ساد في البداية شعور بالاستمتاع بين كبار المسؤولين في إسرائيل الذين قالوا لأنفسهم وبكثير من الشماتة أن مشكلة غزة ستنتقل إلى مصر, اعتقدوا أن مصر ستضطر لحراسة البوابة المخترقة لمنع إدخال المواد والأسلحة والإشراف على سلوك حماس, وإلا فإن مصر هي التي ستتحمل المسؤولية.
ولكن هؤلاء ينسون حقيقة أن مصر ليست هي التي اقتحمت الجدار, هي فعلت ما تقوم كل دولة إنسانية بفعله في مثل هذه الأوضاع, هي سمحت لمئات الآلاف من الناس البائسين بالدخول إلى أراضيها حتى يشتروا ما افتقدوه في غزة طوال أشهر متعاقبة, إذا, مصر ليست مذنبة والتهجم عليها لايمكنه أن يطمس الحقيقة الأخرى وهي أن حكومة إسرائيل بسياستها الفاشلة فقدت السيطرة على غزة.
من اعتقد أن من الممكن توجيه الضربات لشعب بأكمله ومنع دخول الوقود والغذاء وإغلاق المعابر أمام التجارة والعلاج الطبي وإحداث عصيان مدني ضد قيادة حماس من أجل إيقاف إطلاق صواريخ القسام- هو الذي فقد السيطرة على المعبر وهو أيضاً المسؤول عن إفساح المجال أمام غزة حتى تتزود بكل ماتريده بما في ذلك المواد المطلوبة لتصنيع صواريخ القسام والمال المطلوب من أجل تغطية هذه الأعمال.
ومن اعتقد أنه يستطيع تجاهل الحكومة الفلسطينية المنتخبة بصورة قانونية ومقاطعتها ومعاقبة الفلسطينيين على ذلك, وجد نفسه قبالة حكم حماس في جزء من الأرض الأمر الذي لايؤدي فقط إلى زعزعة أمن سكان غربي النقب بل يمس بمكانة إسرائيل الاعتبارية باعتبارها مسؤولة عن حمايتهم حماس برهنت على أن إيهود أولمرت وإيهود باراك مجرد أدوات فارغة خاوية في ذلك الانفجار المتسلسل في جدار سجن غزة, وأية عقوبات يمكن فرضها بعد بينما يتنقل النساء والأطفال والماعز بارتياح وطمأنينة بين غزة ومصر ذهاباً وإياباً من دون خوف أو وجل.
ماحدث في غزة ليس مجرد اختراق للجدران, إنه تغير استراتيجي جرد السياسة الإسرائيلية من ملابسها, نظرية التصدي للإرهاب من خلال حبس منطقة جغرافية كاملة وراء جدار فشلت السياسة التي رغبت في إحداث عصيان مدني ضد قيادة حماس انهارت.