تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


في يومه العالمي.. وبغيـاب منظريـه.. الشـعر ينـفض جناحيـه عائـداً إلـى الحيـاة

ثقافة
الجمعة 27-3-2009م
فادية مصارع

مات الشعر وبقيت القصيدة، هكذا يقولون، «فإذا كان الشعر صراعاً ضد الموت».. فهل يمكنه أن يموت؟! كثيراً ما نحضر أمسيات شعرية،

ونعلق بعد انتهائها بالقول: حضر الشعر وغاب الجمهور، لكن في أمسية شعرية أقامتها وزارة الثقافة احتفاء بالقدس عاصمة للثقافة العربية وبيوم الشعر العالمي، أحياها أربعة من أهم الشعراء في سورية وهم: سليمان العيسى شاعر البعث والمقاومة، ويوسف الخطيب شاعر فلسطين، خالد أبو خالد أحد كبار الشعراء الفلسطينين والمقاتلين بالرصاص، والشاعر والناقد أحمد يوسف داوود، نستطيع القول بكل صراحة حضر الشعر والشعراء وغاب المدّعون والمتثاقفون، حيث لم يتجاوز عدد الحضور في قاعة المحاضرات بمكتبة الأسد السبعين شخصاً، فهل الشعر في فترة بيات؟! أين شعراء الحداثة ومابعد الحداثة الذين أتخمونا بقصائدهم ودواوينهم؟ أين تلامذة العيسى والخطيب؟ المشهد كان يدعونا لإسدال الستارة وإنهاء الأمسية التي تميزت بشعرائها الكبار بقول الشاعر نزار قباني «إن الزمن العربي ليس زمناً للشعر لذلك سأقترح أن نقيم أمسية على سطح القمر حيث الشعر لا يزال بخير، والحب لا يزال بخير، لأن الشعر شأن حضاري.»‏

قافية عصماء‏

ينفض الشعر جناحيه ويعود إلى الحياة بعد أن كادت تطويه إلى الأبد عجلات أسرع قاطرة خبأتها حضارة العجلات الحديثة، يعود الشعر في كل نبضه وطفولته وجلالته لتحتل أبياته ومقطوعاته حديث الأبراج العالية وجدران محطات الأنفاق وواجهات المخازن الأنيقة في عواصم الأناقة والضوء والحركة، هكذا يرى الشاعر الكبير سليمان العيسى الشعر في يوم عيده العالمي، يرى العصافير فيه تعود إلى غنائها والفراشات إلى أجنحتها، والأزهار إلى عبيرها، والسواقي إلى وشوشات مياهها، فالشعر ما كان ولن يكون من ذكريات الماضي الذي لا يحنّ إلى أحد، مادام هناك أحد يقول للآخر صباح الخير فهناك شعر، فهو الكائن الغريب المجهول الذي مازال يشدنا إلى أسراره وكنوزه، وسوف نظلّ نحن العرب من عشاقه ورفاقه، وأصحابه وأحبابه، ويظل من عشاقنا ورفاقنا نحاول أن نعطيه دماً جديداً كلّ يوم، فقد كان ديوان العرب وسيظل ديوانه النابض بالحركة والحياة إلى ما شاء الله، سليمان العيسى أتى على عكازه محتفياً بالشعر مؤكداً حياته واستمراره.‏

ابن الثامنة والثمانين أتى وفي جعبته قصيدة جديدة عنونها باسم (الجدار) ويقصد بها الجدار الصهيوني في فلسطين المحتلة، وجه فيها بضع كلمات إلى المحتل من آخر طفل فلسطيني صرعه رصاص دبابة صهيونية وفيها يقول:‏

صبّ فيه كلّ ماتملك من حقد على الناس‏

على الدنيا.. على أرض جميلة‏

صبّ بدل الإسمنت أشلاء ضحايانا‏

من الفجر إلى الفجر قتيله‏

أيها العابر.. هذه الأرض كانت‏

وستبقى مستحيله‏

اسمها الحلو فلسطين على كلّ غزاة الأرض‏

تبقى مستحيلة‏

يا جدار الغزو..‏

لن أحسبك من أرزائنا‏

إلا رزية‏

خطري الماحق.. جدراني التي تذبح أنفاسي‏

مزقتني أطلقت نارك في صدري‏

وقاومت ما زلت الضحية‏

كلكم فوق دمي تمشون‏

رعباً من دمي ترتعشون‏

كلكم سراً وصبراً دون أن أحرق نعشي تقفون‏

اضربوا حولي جداراً في جدار‏

في ثنايا إصبعي مختبىء ألف نهار‏

لنخيل غزة‏

أما الشاعر خالد أبو خالد فيؤكد أن الشعر لم يتراجع، ولم تتقدم الرواية عليه بأي حال من الأحوال وقد أثبت ذلك بحث ميداني في الساحة الثقافية أن الرواية الرائجة هي المترجمة لا المحلية، فنظرة دقيقة على دور النشر تؤكد أن الناشر يصبح غنياً والأديب يزداد فقراً، لأن الأول متحيز لمن يدفع له أكثر.‏

في يوم الشعر العالمي يقول خالد أبو خالد نحاول أن نشكل رافعة كجبة ثقافية لأن شعرنا يتميز بأن له سمة المقاوم، وقد لازمته وسنلازمه طويلاً لأننا ما زلنا تحت الاحتلال، ولم نحقق الوحدة، ولم نحقق حالة من التقدم تشكل لنا رافعة لنسهم بدور حضاري في هذا العالم.‏

بعد معلقة جنين يقدم الشاعر لنا معلقة «غزة على جدارن القدس» وفيها يقول:‏

لنخيل غزة أن يحاكم في الرمادي الشقيق‏

رماده ليظلّ أسود‏

كان المقرر أن أموت فلم أمت‏

كان المقرر أن يغيّبني الموت فلم أغب‏

كان المقرر أن أعيش مجرداً من ذكرياتي‏

أن أكون كشاخص الإسفلت‏

ومضى المقرر في الدخان‏

وصار رمساً‏

أطروحة الشراب‏

هل صحيح أن الشعرية العربية لم تعرف الثبات والجمود، لأن أهم ما يميزها أنها كانت متجددة مع نفسها ومتوافقة مع ظرفها التاريخي والحضاري، فالمدقق والمتابع للمراحل الشعرية يرى أن كلّ مرحلة كانت ردّ فعل على ماسبقها؟.‏

في معرض رده على السؤال الذي طرحه د. علي القيم يرى الشاعر والناقد أحمد يوسف داوود أن الهذر هو الطاغي الآن في الساحة الشعرية، لكن هذا لا يعني استمرار المشهد على حاله، إنما هي حالة من الموات ويباس الصيف وسيأتي بعده المطر فيخصبه وينبت بذره من جديد، وبالتالي علينا أن نبني عقلاً يستوعب المعطيات الجديدة دون أن نتخلى عن روح الشرق - الشرق العظيم لأنها البوتقة التي تعيد صهر ما ينتج هنا وهناك ليقدمه إبداعاً أصيلاً للعالم.‏

أما قصيدته التي قرأها فكانت بعنوان (أطروحة الشراب) وفي مطلعها يقول:‏

ماهذه الخمر التي غصّت بنا قبل أن تبديها‏

ومالي كلما ضيعتها سكرت يا خمّار‏

مالي أقول: صبّ لي هبني سلاماً أترع الكأس؟!‏

ترى، دارت عليّ الكأس؟!‏

أم في البدء كانت قهوة باردة، ولم تزل‏

ولم يكن شيء سوى الوهم‏

فلا مائدة كانت‏

ولا كرم ولا حان ولا سمّار‏

بيان القيامة العربية‏

ببيانه أو بقصيدته «بيان القيامة العربية» وعلى طريقته ختم الشاعر الفلسطيني الكبير يوسف الخطيب الأمسية الشعرية وحاسماً الخلاف والجدل القائم بين القديم والحديث، وما بعد الحداثة ليقلع، ربما بعيداً جداً إلى مافوق الكلاسيكية.‏

وتوضيحاً لذلك يقول:‏

إذا افترضت جدلاً أنني سأبلغ يوماً قمة شعرية عليا مضاهية لامرىء القيس، وأبي الطيب، وأبي العلاء، فسأفضح السر لأربعة الرياح، وأنقشه على صدر السماء: بأن كل الفضل في هذا يعود مرجعه إلى كلّ هؤلاء..‏

حيث لا فضل لأي شاعر على من سبقوه.. بتعبير إليوت.. إلا بفضل هؤلاء الذين سبقوه عليه.. فمع عدم المعذرة من جميع منظري «الحداثة وما بعدها»، فإنني في يوم الشعر العالمي هذا.. في عام القدس الثقافي هذا.. لن أخاطبكم «بشعر اللغة» وإنما بلغة الشعر، أي إنني لن أخاطبكم، بأي لغة غير مسكونة، بل بلغة مزدحمة جداً، بحضور الإنسان.. بأحفل ما في مكنوزه الروحي من استذكارات وايحاءات.. ماضياً.. وحاضرنا.. وحتى أقاصي الزمان...‏

فمن هنا تركتهم يلهثون في سراب.. (ما بعد الحداثة) عندما أقلعت، ربما بعيد جداً إلى ما فوق الكلاسيكية في هذا القصيد الملحمي الذي أنشأته لأول مرة من في تاريخ شعرنا العربي مرسلاً على دائرة الطويل، بمفتاح البسيط، بعنوان الخورنق، وأحب أن أدعوه أيضاً.. (بيان القيامة العربية):‏

قم اهدم العرش واخلع ربّك الصنما‏

أو احترق، تحرق الليل الذي جثما‏

أو كلما وثنٌ بالشرق هزّ عصا الطغيان، أو‏

نبحت كلابه معشراً، سيقوا له غنما؟!‏

لن تنجب الأرض، لا أباً، ولا عنباً، ولا‏

مخاضات أرحام الأسى غضباً ولا بطون‏

قفار الشرق سنبلة توحد الله، ما أثلامها‏

بقيت أفواه مسغبة، يفغرن تحت سماء‏

العقم شدق ظما‏

فازدد لشوط غد، من نبض بعد غد، لن‏

تقبض الريح إلا باطلاً، وسدى عويل‏

روحك في الأحقاف تائهة..تبني وتهدم‏

في آن معاً إرما‏

هيهات لن تسمع الموتى النداء، ولا الصم‏

الدعاء، ومن قد عاش مات، ومن قد مات فات،‏

وآت وحده الآت، ما من ذاهب آب،‏

حتى يحفز الهمما‏

فلا وأقسم، لو أدركتم القسما‏

ما في يدي رمة أن تبعث الرّمما‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية