ولا سيما أن الرئيس أوباما في خطابه الأخير سيسعى للحصول على تفويض الكونغرس لقصف سورية، ما يعني أنه تم تأجيل الهجوم فقط، وأن اللجوء للتصويت في الكونغرس هو مجرد مناورة سياسية مثيرة للسخرية الهدف من ورائها إضفاء الشرعية على حرب تستند على الأكاذيب، وخاصة بعد الهزيمة المدوية في البرلمان البريطاني الذي رفض مشاركة بلاده في العدوان على سورية.
ومن بين الأكاذيب السياسية التي تستخدمها إدارة أوباما هي المزاعم بأن العمل العسكري سيكون «محدوداً» وهدفه معاقبة ومحاسبة الحكومة السورية بسبب استخدامها الأسلحة الكيميائية، ومما لا شك فيه بأنه ما من شيء محدود بخصوص هذا القصف الهائل والمدمر الذي سيطلق له العنان في الحرب على سورية، وخلال خطابة في «الغاردن روز» أعلن أوباما أن الهدف من الهجمات هو إضعاف قدرات الجيش السوري ما سيؤدي إلى تدمير واسع النطاق للمعدات وإزهاق أرواح الآلاف من المدنيين والجنود، وستكون الخطة العسكرية الأميركية تكراراً لما يسمى «بالصدمة والترويع» تلك التقنية التي استخدمت في العراق عام 2003.
إن العمل العسكري الأميركي سيستمر إلى أن يحقق أهدافه الإستراتيجية ولمصلحة المعارضة السورية المدعومة أميركياً عبر شل قدرات النظام وتمهيد الطريقة لتنصيب حكومة دمية في يد الولايات المتحدة.
وخارج سورية، سيكون الهدف تفويض نفوذ إيران وسورية وغيرها من الدول المنافسة للولايات المتحدة الأميركية في المنطقة، لذلك فإن الحرب على سورية ستؤدي إلى مواجهة عسكرية مع إيران وكانت صحيفة النيويورك تايمز ذكرت مؤخراً أن أوباما أخبر أركان حربه بأن أكثر الأسباب «المقنعة» للحصول على تفويض الكونغرس هو أن هذا التفويض سيخوله في المواجهة العسكرية المقبلة في الشرق الأوسط، ربما مع إيران.
مما لا شك فيه أن الإدارة الأميركية تعاني من أزمة خطيرة وحاسمة، حيث إن الطريق إلى الحرب لن يمر بالسلاسة التي يتوقعها أوباما، من جهة اعتقاده بأن مزاعم الهجوم بالغاز السام سيمكنه من كسب الرأي العام الأميركي في هذه الحرب، وكان سيطلق الصواريخ ويقصف سورية بالقنابل من دون أن يوجه له أي سؤال، إلا أن هذه الخطط منيت بانتكاسة بعد تصويت البرلمان البريطاني، حيث لم يستطع رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون إثبات صدقية ادعاءاته حول استخدام الحكومة السورية للأسلحة الكيميائية، وبينما كان أوباما على أهبة الاستعداد للذهاب إلى الحرب بدون دعم شعبه داخل الولايات المتحدة الأميركية، فإن استطلاعات الرأي كشفت فقط أن 9% من الأميركيين يؤيدون العدوان على سورية وضعت الهزيمة في مجلس العموم البريطاني، من الناحية السياسية أوباما في مأزق لم يعد بإمكانه الدفاع عن خططه وتوصلت الإدارة إلى نتيجة مفادها، أن خوض غمار حرب بدون دعم داخلي ودولي معقول سيكون مجازفة سياسية بالنسبة لها، لذلك فإن التصويت في الكونغرس يهدف للتظاهر بالحصول على التأييد الشعبي الواسع في الحرب.
مع موعد بدء مناقشة الكونغرس، حوالي أسبوع، فإن الأيام المقبلة ستشهد حملة إعلامية ودعائية هائلة لدعم الحرب مستنداً إلى مزاعم بأن الحكومة السورية استخدمت الأسلحة الكيميائية وهذه المزاعم لا تتمتع بالمصداقية حيث أشارت تقارير عديدة إلى تورط المعارضة المسيطر عليها من قبل المنظمات الإرهابية التابعة لتنظيم القاعدة، وتتضمن هذه التقارير تصريحات من شهود عيان يؤكدون من خلالها أن قوات المعارضة قد استخدمت الأسلحة الكيميائية التي حصلت عليها من قبل أجهزة الاستخبارات السعودية، والأكثر من ذلك، في الحقيقة فإن قوات المعارضة المدعومة أميركياً كانت قد استخدمت الأسلحة الكيميائية من قبل وألقي عليهم القبض وبحوزتهم غاز السارين.
إن «التقييمات الاستخباراتية» لأجهزة التجسس الأميركية التي كشف عنها وزير الخارجية الأميركية جون كيري، تغرق في الأكاذيب والادعاءات الجوفاء التي لا تستند إلى أدلة ملموسة، مع الإشارة إلى أن الإدارة الأميركية رفضت طلب روسيا من الولايات المتحدة الأميركية ضرورة إخضاع الأدلة المتوفرة لديها لمراجعة مستقلة.
ولو كان يجب إثبات أن الجيش السوري قد استخدم الغاز السام، فإن هذا لن يغير من الطابع الإمبريالي للتدخل الأميركي في سورية، حيث عمدت الولايات المتحدة وحلفاؤها في المنطقة، بالإضافة إلى بريطانيا وفرنسا للانغماس والتورط في غمار الأحداث الدائرة في سورية منذ أكثر من عامين، بهدف تدمير النظام، باعتبار أن هذا النظام عقبة كعداء في وجه المؤامرات الأميركية في الشرق الأوسط، .
أما فيما يتعلق بالكونغرس فإنه من الغباء وضع الثقة به، حيث هو المؤسسة التي تتحكم بها نخبة شركات ورؤوس الأموال وإذا ما عدنا إلى الوراء فإن كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري دعما وأيدا الحرب، والمؤسسة السياسية برمتها شنت أكثر من عقد من الحرب الطويلة والتي تبدو بلا نهاية تحت عنوان «الحرب على الإرهاب» ولو فشل التصويت على قرار الحرب فإنه في أحسن الأحوال سيؤجل ولن تتوقف طبول الحرب، وانطبق الشيء نفسه على بريطانيا حيث المناورات جارية بالفعل لعقد اجتماع من أجل السماح بدخول الحرب وذلك بعد موافقة الكونغرس الأميركي.