وبعدها مباشرة استضاف الرئيس الروسي, نظيره الأميركي في بيته الصيفي على شاطىء البحر الأسود, في مدينة سوتشي. بوش التواق إلى لقاء بوتين للمرة 24 خلال فترة حكمهما صرح أنه يريد الوصول إلى قلب الدب الروسي إشارة إلى تحقيق تنازلات روسية في الأيام الأخيرة المتبقية من حكم بوتين, يستثمرها بوش لإضافة وزن نوعي لإنجازاته الغائبة من أفغانستان إلى العراق, مروراً بأوروبا وأميركا اللاتينية وصولاً إلى موسكو وأوروبا الشرقية والموعودة بضم دولها إلى حلف أكل عليه الدهر وشرب منذ تربع واشنطن على عرش الزعامة الأميركية, واستخدامها العصا البوليسية للهيمنة على العالم.
في جولة بوش الأوروبية, وتحديداً (الشرق أوروبية) اختزن في عقله سيناريوهات شيطانية كعادته, وحمل في حقيبته السياسية والدبلوماسية برامج ديك تشينية, ممهورة بخاتم المحافظين الجدد وتجار الحروب والفتن والشقاق العالمي. وأراد الوصول إلى قلب الزعيم الروسي, المغادر لقصر الكرملين من بوابته الرسمية, والعائد إليه من مداخل موسكو القيصرية والامبراطورية الواعدة, والمراد لهذه الغزوة الختامية تحقيق ما يلي:
1- تحقيق اختراق في مسألة الدرع الصاروخي الذي يريده بوش, حاجزاً وقائياً مما يدعيه (الخطر الإيراني) وتنازلاً روسياً في قضية التعاون مع حلف الناتو, بحجة تسهيل مرور قوات إضافية إلى أفغانستان وتساهلاً من جهة تعهد روسيا بعدم عرقلة انضمام أوكرانيا وجورجيا إلى حلف الناتو, إضافة إلى تنازلات في ميدان الملف النووي الإيراني, وخطة المحافظين الجدد في الشرق الأوسط الجديد.
أما المقابل لكل ذلك, فهو مساعدة أميركية لانضمام روسيا إلى منظمة التجارة العالمية, وما أحوجها إلى ذلك في عهد بوتين الحاكم الإداري الجديد بعد تعيينه رئيساً للحكومة, وفسحة من الدور في الشرق الأوسط تحت مسمى (مساعي موسكو لقعد مؤتمر دولي للسلام) وغض النظر عن ملف الديمقراطية والإصلاحات وعودة ديكتاتورية القيصر الروسي إلى الحياة السياسية الروسية حسب مزاعم واشنطن, وعدم معارضة واشنطن لتوجهات موسكو حيال استقلال أوسيتيا وأبخازيا وانفصالهما عن جورجيا, والأهم من ذلك, شراكة حقيقية في ميدان الطاقة, سواء استثمارات جديدة في العراق أم مشاريع مرتقبة في الخليج واستمرار صفقات التسليح الروسية لمناطق عديدة من العالم.
2- غزوة عقل بوش لقلب بوتين, يراد لها أن تطمئن صقور البيت الأبيض والبنتاغون, بأن مصالح القوى العظمى لا بد أن تلتقي بعد حين, وهو الواثق من أن نجم القطب الواحد إلى أفول, وأن شمس العالم متعدد الأقطاب, في طريقها إلى السطوع, وحينها ستكون الجهة الشرقية أوروبا, موسكو وجوارها, نقطة البدء لعالم الشراكات, وما أحوج المحافظين الجدد واليهود لحجز مكان فضفاض في هذه الجهة.
أما القلب الكبير, فكيف تلقف إشارات العقل العالمي وهل هو بتلك السذاجة التي تجعله حنوناً, طيباً يقع في الشرك من أول لمسة ودغدغة?.
الجواب كان واضحاً في المؤتمر الصحفي الذي عقده الرئيس الروسي بعد انتهاء قمة بلدان الناتو 4 نيسان الجاري حين قال: توسيع حلف الناتو يشكل تهديداً لروسيا ومجرد التلميح بأن هدف التوسع هو خدمة للفضاء الديمقراطي, هو هراء... وروسيا لن تقبل أبداً المساومة في مسائل تمس أمنها القومي ولن تقف متفرجة على ما يجري ويهدد مصالحها.. ولا يمكن لأحد أن يتصور جدياً بأن إيران ستهاجم الولايات المتحدة. وسياسة الغرب نحوها خاطئة وتفتقر إلى الذكاء ولا بد من تقريب المسافات بين الغرب وطهران بدلاً من تهديدها وعزلها..
تلك بعض الرسائل التي وجدها العقل الأميركي في الجوارح الروسية, ورغم حرارة الاستقبال وعذوبة النسيمات الربيعية التي أحاطت غزوة بوش, فإنها خلصت إلى النتائج التالية:
- انقسام بين دول حلف الناتو, وقرار بعدم الموافقة على ضم جورجيا وأوكرانيا, مراعاة لمصالح أوروبا مع روسيا.
- إخفاق أميركي جديد في ميدان الهيمنة وهذه المرة من قلب أوروبا الواعد استراتيجياً بالطاقة.
- تنازلات أميركية تحت الطاولة, بهدف تمرير صفقات لمصلحة الجمهوريين والمحافظين الجدد, انطلاقاً من البوابة الروسية وجوارها.
- سحب بعض الأوراق من ميدان الشرق الأوسط (إيران- الخليج العربي- الصراع العربي- الإسرائيلي) لمصلحة الاستراتيجية الروسية ومساعيها التعددية عالمياً.
قضايا وملفات جمعها بوش وفريقه وعاد بها خائباً إلى بلاده, والحسرة الكبرى عند وزيرته المدللة عالمياً. وهي أنها لم تحظ حتى بقبلة دافئة من ذاك القلب الحنون.