تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


العمل العربي المشترك.. زمن الاستقرار والاستمرار

دراسات
الأربعاء 9/4/2008
بقلم: د. أحمد الحاج علي

يحمل الحدث ذو الجدوى خاصتين متكاملتين, كونه يخض الواقع ويحرك الساكن فيه ويتمرد على أصول اللعبة المألوفة, أي أنه يمتلك خاصية الجرأة والنزعة الاقتحامية,

وهو بذلك فوق المتكرر وأبعد من مؤشرات الحالة السلبية, تلك هي الخاصية الأولى في الحدث المجدي, أما الثانية فهي خاصيته بافتتاح مناخ جديد في ظرف صعب, بحيث يخلق الأعباء والتكاليف ويرفعها الى حد المسؤولية الوجدانية والسياسية, والخاصيتان معاً تتفاعلان على خط الحدث وخطاه, اقتحام من جهة وفتح لبوابات المسؤولية والأعباء القادمة من جهة أخرى, وكل خاصية تقدم للأخرى تلبي حاجتها وتطور في إيقاعها ثم تتبادل معها الأدوار بطريقة حيوية, وواضح تماماً أن السكون والتكرار ومن ثم الاغلاق والاستسلام للحظات الختام هوالذي يشكل المنهج السلبي القاتل, والذي ما زال يتحكم بدرجات متفاوتة في مجمل أنشطة الواقع السياسي للعرب,‏

لقد أوحى إليّ والى غيري من المتابعين بهذا التحديد للخصائص في العمل السياسي حال القمة العشرين للعرب التي عقدت في دمشق, وباستمرار من لا يستخلص العبر ولا يلتقط مصادر الحكمة سوف يفرط بما أنجز وفي أحسن الحالات سوف يتوقف ليعلن بدء لحظة تدشين مهرجانات الانتصار الذي كان, لقد تواصل الجميع مع القمة العربية في دمشق وفي المراحل الثلاث للقمة حدث هذا التواصل أعني في مرحلة الاعداد والتهيئة عبر المخاض الصعب والمناخ المتلبد لهذا المؤتمر, ثم عبر لحظة وقائع المؤتمر والتفاعلات التي جرت فيه والكيفيات التي بنيت عليها المداولات والحوارات وأسلوب الأداء وإيقاع الوصول الى القرار, وفي المرحلتين معاً حتى الآن مرحلة الاعداد ومرحلة الفعل سجل الجميع لسورية العربية موقفاً أساسه الصبر والشجاعة والحكمة والخبرة, السماح والارتقاء فوق الصغائر والصغار, ثم فرضت المرحلة الثالثة نفسها وعندها حدث الفارق بين اتجاه واتجاه والتقاليد العربية السياسية لقمم تختتم وتختم فيما عدا تلك المحطات التاريخية في مسيرة القمم العربية كما عشناها عند مقدمات الأحداث الكبرى أو في ظرف استثمار التحولات الكبرى, لكن البنية العامة لقمم بقيت مطبوعة بقصة الختام والختم, أي أنها حدث بدأ وانتهى وعاد كل طرف عربي ليمارس دوره المعتاد دون أن يحمل معه حصة من التبعات وحزمة من المهام المنوطة به أو المطروحة عليه وهكذا كان زمن القمم العربية دعائياً واحتفالياً, في القمة العشرين حدثت الانعطافة ولا أقول التحول الكبير وتمثلت في عناوين ثلاثة...‏

أول هذه العناوين هو أن القمة مطلوبة لكي تحاور وتتفاعل وأن خلافات العرب وتناقضاتهم لا بد أن تبقى تحت سقف الحالة القومية والتحديات الخطرة الناشئة, وبهذا المعنى كانت التناقضات العربية تبدو قبل المؤتمر مستعصية, في أجواء المؤتمر انكمشت الى حدها الطبيعي, هي تناقضات بالتأكيد ولكنها ليست ممتنعة على البحث والتحليل,وهنا ظهرت المزايا الكبرى والمؤثرة لخطاب الرئيس بشار الأسد في افتتاح أعمال القمة, موقف بُني في روح المسؤولية والتعالي على الصغائر والدخول في المنطقة العربية السياسية بحيثياتها وموادها دون تفريط مع روح عالية بانتساب الجميع الى واقعهم وقضاياهم, هنا انتفت فكرة التشنج وانتهت التوقعات المأزومة وغابت تماماً عقلية الأنا, والمنتصر, والرابح, وتحميل المسؤولية للآخرين, والصدمة السلبية للقوى المعادية تشكلت في هذه الفاصلة, والصدمة الايجابية للقادة العرب تشكلت أيضاً عند حدود هذه الفاصلة تماماً, ذلك هو المؤشر الأول بل أقول المؤشر المتن الذي استحضر ولم يُغيب الثاني واستدعى ولم ينفِ وأشرك الجميع ولم ينفرد أو يتفرد.‏

أما العنوان الثاني فقد تضمنته فكرة المنهجية المسؤولة وهي التي تحتاج الى الاستيعاب والقبول والى الصراحة بدون تشهير والى طرح الحقائق بدون إدانات مجانية أو مقصودة ولأول مرة اكتسبت القمة نسقها الأخلاقي والتعاملي بما يوازي نسقها السياسي والقومي ولن يشعر أحد من العرب على اختلاف الرؤية والتمثيل بأنه خارج هذه المنظومة, كل طرف له حضوره وكل طرف له حقه في أن يتطور بهذا الحضور الى أي مدى يستطيع, هنا لا توجد حساسيات ولا مباحثات تحت الطاولة ولا يوجد غزل سياسي مبطن, كل شيء في منهجية العمل في القمة كان يفضي الى خطوات مريحة متسارعة, ويضفي على المواقف المتناقضة مسحة متسعة من المشاركة وأخذ الدور والانضواء تحت العنوان العام, ولعلنا لاحظنا كيف تبدلت آليات الضخ الاعلامي حيث كانت القلة من وسائل الاعلام تتهيأ للاحتفال بالنصر المؤزر والكتلة العامة من وسائل الاعلام تتجهز لكي تنقل الغرائب والعجائب والتوتر والمناكفة والمشاهد والمواقف التي لا تصلح إلا للإثارة وامتطاء جنون الريح الاعلامية.‏

والعنوان الثالث جسدته هذه الاحداثيات المتممة من حيث أن وقائع المؤتمر هي التي انتهت وأن مسؤوليات المؤتمر هي التي ابتدأت, ولن يكون زمن ما بعد المؤتمر مرادفاً لزمن ما قبل المؤتمر, والتحديات القادمة سوف تتوافد وتتعاضد في محاولة لكسر الموجة وتغيير الاتجاه, إن الحال العام في مرحلة ما بعد المؤتمر سيكون صعباً للغاية, لأن من طبيعة المؤتمر بنتائجه أن يتحرك الى الآتي والمطلوب باستثمار ما هو راهن وممكن, والاعتقاد الجازم الآن هو أن أخلاقيات المؤتمر من الجميع سوف تلقي بظلالها على مسيرة المرحلة الراهنة والمقبلة وهي بالتأكيد قصة عذاب ومصابرة ومثابرة, وهنا تقع العلاقة الفارقة التي طالما بحث عنها الجميع في القمم المتناثرة.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية