وهذه يفصح في جزء منه عن محاولاته المتعثرة, لكي لايجري الحديث عن أخطائه إزاء هذه القارة. لهذا السبب, وخلافاً للتأكيدات التقليدية, سواء من المدافعين أم المنتقدين, فإن فرنسا لاتملك منذ زمن طويل سياسة إفريقية, ولاحتى استراتيجية قادرة على انتهاجها. وكأي دولة أخرى استمرت فرنسا في علاقاتها مع دول العالم تبعاً لمصالحها الاقتصادية والسياسية. والطبقة الحاكمة في هذه الدول يساورها الاعتقاد دائماً أن فرنسا لاتنتهج سياسة حيال إفريقيا إلا من خلال الالتزام الأخلاقي والواجب التاريخي, لكن الحقائق برهنت بصورة هزلية النقيض من ذلك, وهذا بدوره أدى إلى نتائج غير مرضية غالباً لدى الفرنسيين, حيث يسود اليوم اعتقاد راسخ بأن فرنسا تسير خبط عشواء, وأنها بسبب سياساتها تلك قد خسرت أكثر مما ربحت. فيما يظن الأفارقة عكس ذلك ويعتقدون أن فرنسا لم تستفد بما فيه الكفاية فحسب, بل لديها الكثير الكثير لتكسبه وهي ليست بوارد التخلي عنه بسهولة.
وفي هذا الشأن صرح ساركوزي أنه ( إذا كانت فرنسا تنوي فعلياً إعادة بناء علاقاتها مع إفريقيا, فيجب أن تعيد النظر والاهتمام بمصالحها في إفريقيا, وعليها المضي في التزامها إذا ماأرادت تبني استراتيجية واضحة وشفافة ). فلماذا لاتوضح وتعلن على الملأ معايير الدعم المقدم إلى حلفائها في إفريقيا بدلاً من التمسك بالصداقات التاريخية أو الشخصية?! ولماذا لايتم وضع هذه المعايير حيز التنفيذ?!
واليوم ليس أقل من ستة وزراء وأمناء عامين و وزراء خارجية و وزراء مفوضين, ولجان تعاون, حقوق إنسان, دفاع, اقتصاد وهجرة ) مدعوون للتدخل في إفريقيا وبجداول أعمال ( أجندات ) تبدو متناقضة أحياناً.
ولهذا فإن إيجاد منصب لوزير مفوض بالشؤون الخارجية, منفصل عن نظيره في الاتحاد الأوروبي من شأنه تأكيد الأولوية المعطاة لمنطقة من العالم مهمة واستراتيجية أيضاً بالنسبة لفرنسا وهذا الوزير سيقوم بإدارة الملفات المهمة وضمان النفوذ السياسي الذي تتمتع به الوكالة الفرنسية للتنمية. وأن تعهد هذا الأمر إلى شخصية محط ثقة, وأن يتم الاعتراف به من تلك القارة يعني بالضرورة, شخصنة السياسة الفرنسية في إفريقيا, وهذا الإصلاح سيمكّن الإليزيه من التحول في درجة الاندفاع الاستراتيجي أفضل من الإدارة اليومية التي ظلت متبعة منذ عام 1960 عبر (الخلية الإفريقية ).
إن إعادة النظر في اتفاقات التعاون العسكري والدفاع الموقعة مع المستعمرات الإفريقية السابقة التي كان العسكريون أنفسهم قد قاموا بإلغائها هي بمثابة الخطوة الأولى نحو تحسين صورة فرنسا في إفريقيا. وللمضي في ذلك, على فرنسا أن تجري إصلاحات جذرية بقواعدها المزروعة في تلك القارة, فضلاً عن ذلك, ولكي تقوم بتغيير ثمن وخطر السياسة المترتبة على وجودها في إفريقيا, فإن على فرنسا أن تسبغ الطابع الأوروبي على العديد من الأعمال التي تقوم بها في تلك القارة مثل: عمليات حفظ السلام, وتمويل مشروعات البنى التحتية الكبرى الضرورية للتنمية, ومراقبة الانتخابات وتحريك ( الحوار السياسي ).
وثمة نقاط أخرى مهمة: إذ على فرنسا أن تتبادل وجهات النظر مع أصحاب المشروعات الموجودين على أرض القارة وإيلاء أهمية خاصة لجيل الصفوة من الشباب الإفريقي البارز الذين يشكلون بدورهم طاقات مهمة لدعم وتعزيزنفوذها على المدى الطويل, إضافة إلى مشاركتهم في بناء وتمتين المنظمات المحلية الإفريقية والتي تشكل الوسيلة المناسبة في مختلف المجالات.