في الوقت الذي تبدي به وسائل الاعلام (في جانبي الأطلسي) اهتماماً واسعاً بالأحداث الجارية في هذا البلد, ويكون لتلك الحرب الدور الكبير في الحملة الانتخابية للرئاسة الأميركية, نجد أن معظم الشعب في كل من أميركا وأوروبا لا يعطي اهتماماً جاداً لقضايا الشرق الأوسط كما يعطيها للأزمات المصرفية العالمية.
وعلى الرغم من قلق الشعبين الأميركي والأوروبي حول ما يجري بهذه الحرب ورغبتهما بإنهائها, إلا أنها لم تحدث وقعاً للدرجة التي تجعلهم يضغطون على حكوماتهم لوضع حلول مناسبة لهذا الواقع, خاصة في ضوء ما تم التوصل إليه من تقدير لتكلفة الحرب على مدى السنوات الخمس الماضية, حيث أكد كل من جوزيف ستيغليتر وليندا بيلمز أن تكلفة الولايات المتحدة قد بلغت 3 تريليون دولار, يضاف إليها مصرع 40 جندياً أميركياً, و171 بريطانياً, وحوالى 60,000 عراقي.
كل ذلك الواقع المرير لم يدفع الإدارة الأميركية أو الحكومة البريطانية أو حتى الحكومة العراقية إلى إجراء أي تغيير جذري في سياستها.
لم يعد من المجدي البحث في الذريعة الزائفة للدخول بالحرب (وهي وجود أسلحة الدمار الشامل) تلك الكذبة التي تبعتها أخطاء فادحة ارتكبت وافضت إلى وقوعنا بمعضلات سنعاني منها اليوم وفي المستقبل.
حققت زيادة عدد القوات الأميركية في العراق بعض النجاح العسكري والتكتيكي على الرغم مما لوحظ من تصاعد للعنف في شهري شباط وآذار عما كان عليه في شهر كانون الثاني, حيث لقي 10 جنود أميركيين مصرعهم في أسبوع واحد.
أجرى الدكتور ستيفن بيدل عضو المجلس الأميركي للعلاقات الخارجية تقييماً عرضه على لجنة القوات المسلحة التابعة لمجلس النواب في كانون الثاني رأى به وجود فرصة في الوقت الراهن لمعالجة الوضع أفضل مما كانت عليه في الأشهر الستة الماضية, مؤكداً على ضرورة تحقيق السلام على المدى الطويل.
ورأى أن يناط الأمر للقوات الأميركية باعتبارها الجهة الأفضل لتحقيق السلام في الوقت الحاضر, وذلك في إطار القوات الدولية لما لذلك من تأثير كبير في إبعاد خطر ما يمكن أن يحدث من إبادات جماعية, ويرى أن الحكومة العراقية لا تبذل قصارى جهدها لتحقيق المصالحة والتسويات مع الفئات الأخرى من الشعب بما يحقق السلام.
هناك أسئلة لابد من طرحها مثل: هل سيستمر وقف إطلاق النار, وينحسر العنف عند تقليص عدد القوات الأميركية?
وهل سيقبل الشعب الأميركي بتقديم المزيد من التضحيات والأموال لمدة طويلة في العراق عند حصول تغيير في الإدارة الأميركية?
لا شك أن أي من ماكين أو أوباما أو هيلاري عندما يصل إلى سدة الرئاسة سيواجه تلك المعضلات, فأي منهم ليس بمقدوره أن يتحمل مسؤولية حمامات الدم التي ستحصل في حال إعادة الجنود الأميركيين إلى الوطن, وسيقع الرئيس القادم في حيرة بين دفع فاتورة الحرب, أو تحمل النتائج المرجوة في حال سحب القوات, لكنه إن أمكنه احتواء العنف وتحقيق بعض الآمال الجيدة فإنه سيبقي على وجود القوات في العراق, أما في الأحوال التي يزداد بها الصراع وإراقة الدماء فإن الشعب سيمارس الضغط عليه ويصر على سحب القوات.
إزاء هذا الواقع لا مناص للولايات المتحدة في العهد القادم من وضع سياسة جديدة للشرق الأوسط يحدد بها مستقبل العراق, الأمر الذي كان من المستحيل تحقيقه في عهد بوش.