أراهن بأن انطباعك المبدئي سيتجلى في ضرورة حماية سلامتك العقلية.. لشعورك بأنك داخل بئر.. بينما المفترض أن تأخذك هذه الجولة إلى أنهار وبحيرات وبحار وفضاءات مدهشة ومثيرة وغير مسبوقة!.
وكلما ازددت تقليباً عبر هذه القنوات ستكتشف أن ذخائرك الفكرية والأخلاقية قد انكفأت.. وربما انعدم لديك الشعور بضرورة طرح أسئلة مثيرة للذهن. وستجد نفسك أمام محطات تقدم لك تاريخاً - يخيم عليه التعصب والجهل.. (فأين المفر, والماضي رمال والمستقبل زئبق!).
تسرع القفز عبر القنوات لتصل إلى برامجك السياسية المفضلة.. وغير المفضلة وتفاجأ بأن جدالاً مازال قائماً منذ الحلقة 20( ونحن الآن ربما في الحلقة الثمانين). بين المنتمي .. واللا منتمي.. وتظن أنك داخل غرفة طوارىء .. لا في استوديو, فتجتاحك حالة من انعدام الوزن.. وتقلب.. فتصل إلى مايسمى البرامج الاجتماعية الهادفة! فتشوط بجهازك جانباً وتصغي السمع لما تقوله المذيعات الثلاث.. أو الأربع .
- فقد أصبح لدينا فريق منهن في كل قناة وتحاول جاهداً أن تفهم ماتريده كل واحدة على حده أو مجتمعات.. ولكن عبثاً... لتخرج من هذا البرنامج الاجتماعي الهادف.. برائحة ( شويط) بعد محاولاتهن المستميتة لإعادة الزخم للعلاقات العاطفية ( العربية) البليدة والباردة بين الرجل والمرأة (الظالم والمظلومة) وإعادة الاعتبار لهذه المقهورة التعيسة.. من الرجل المستبد الظالم .. بتحريضها على رد الصاع صاعين!.
لتأخذ المذيعات فاصلاً قصيراً.. بعده.. يقدمن آخر ماتوصل إليه علم الجمال.. وآخر الابتكارات في عالم التجميل.. فأنتِ سيدتي ( كما تعلن إحداهن) على مفترق طرق.. وعليك إجراء ماتيسر من عمليات الشفط وإزالة التجاعيد.. وبذلك تتم استضافة جراح خبير بعمليات (الشفط كلها) لتوضيب امرأة جديدة (توب موديل) لإقناع الزوج بألا تلعب عينه على واحدة أخرى.
وهكذا يتم الذهاب إلى (مطبخ الأسرة السعيدة) لتحضير وجبة دسمة ( للزوج المستبد) فالطريق إلى قلبه.. متعدد الاتجاهات.. ومنها معدته.. لنكتشف أخيراً أن ماينجز من برامج فضائية عربية نسوية.. لايخرج عن إطار مايريده شهريار.. لكن بإطار عصري.. وبطريقة حوارية أقرب إلى حوار - حمام مقطوعة ماؤه?!.
إلى محطة أخرى.. وبرنامج حواري آخر ..( وليكن ثقافياً).. لتبدأ في محاسبة نفسك على قلة مطالعتك, وتخلفك.. وترتعد خجلاً من هذه النخبة الجالسة بهدوء تام.. وتتحدث بصوت منخفض متزن وتوشك على التثاوب وأخذ غفوة.فأنت لم تستطع أن ترتقي لمستوى ذلك الحوار.. وتعلق للجالس بجانبك.. لابد أن هناك سوء تفاهم بيننا.. نحن (الشعب) وبين هؤلاء (النخبة).. أو ربما سوء فهم!.. فمقدمو البرامج الثقافية في محطاتنا العربية حريصون على استضافة (الصفوة) الحريصة على أن يكتشفها الجمهور بعدما أمضت عمراً طويلاً بالبحث والدراسة ولكنها عجزت عن تحقيق تواصل مع الناس على مدى عقود.. لهذا ارتأت أخيراً أن تحل ضيفاً عتيداً على هذه البرامج.. علها تحظى قريباً.. بحفل تأبين محترم?!.
ولايمكن الحديث عن الفضاء العربي.. دون التطرق والعبور من فوق الخط الساخن.. الفن العربي الذي تتلوى ماتسمى فناناته على محطاته وقنواته على سرير من الدانتيلا.. والزي الذي يشف ويصف ماظهرو مابطن.. تغني بصوت مبحوح ملسوع متحشرج في مهمة خاصة لتفريغ شحنات وجيوب الشباب العربي.. المتعب والمنهك.. والعاطل.. عن الفهم والعمل والحب!!
ما نوع هذه الحياة التي تقدمها غالبية المحطات الفضائية العربية?!..
أليس مايقدم هو شكل من أشكال قمع الدوافع الإيجابية?! أليس مايعرض علينا يدفعنا إلى تساؤل حان وقته, ألهذا الحد نحن أشخاص مشوشون وخاملون ومسطحون . ومحدودو الأفق..
وهل من الضروري أن يمُر بعصر فضائي عربي متخلف أو مايسمى بعصر الانحطاط الفضائي العربي? ! وكم جيل سنخسر, وماحجم الخسائر التي ستتراكم لاحقاً?..
أين المشاهد الناصعة التي يخلو منها أي مجتمع مهما بلغت حدة مشكلاته.?. أم تناسى القائمون على الفضائيات العربية أن أمتنا أمة فنية بكل المعايير.. وفيها شباب يحاولون جادين بمبادرات هامة وكبيرة تجاوز العوائق المادية?. شباب يسعون للتمرد على كل أشكال القمع الاجتماعي والمادي.. باحثين بصدق عن هوية خاصة بهم فهل ضاق الفضاء العربي ليختزل هذه الأمة في برامج.. القاع.. سوبر ستار.