ولامن بعيد بما زعم أنه اضطهاد لليهود إبان الحرب الكونية الثانية، فاعتقد الصهاينة أن لهم حق ارتكاب المجازر وقتل المدنيين وطرد السكان العرب من أراضيهم دون رادع أخلاقي أو قانوني.
والعالم كله يعرف أن أي انتقاد لارتكابات اسرائيل يعامل على أنه معاداة للسامية، ونذكر الدعوى التي أقامتها منظمة صهيونية على المطران بيير غرودي وعلى الفيلسوف إدغارموران اليهودي المولد.
ويفهم أن لاأحد بمنأى عن الرقابة، حتى اليهود، وإذا لم يجد غلاة الصهاينة من يتهمونه بمعاداة السامية يذكرون اليهود بالأهوال المزعومة وبأنها قد تحدث من جديد في أي لحظة، وهذا ما يفسر ذلك الفيض من الأفلام والبرامج التلفزيونية حول معاداة السامية والتحذير من ظهور نازية جديدة، فيشعر اليهودي أنه في عالم معادٍ ويغدو الخوف جزءاً من هويته وطبيعته، وهكذا حولت الصهيونية أناساً طبيعيين إلى مرضى نفسيين عندما تجعلهم يقسمون على أن العالم يكرههم وأنه يمكن في أي وقت أن يصوغ برامج تعيدهم إلى غرف الغاز وعلى أنهم لن يغادروا اسرائيل ملاذهم الوحيد.
وخلال المؤتمر الصهيوني السادس والعشرين اعتبر نعوم غولدمان عام 1964 أن الاندماج يشكل خطراً يربو على خطر محاكم التفتيش والهولوكست، ويدل هذا القول على عنصرية ممزوجة بالقلق.
وكان لنشر كتاب «اليهودي العالمي» عام 1920 بقلم هنري فورد وقع القنبلة على مسرح السياسة الأمريكية، فقد كشف آنذاك أن اليهود يسيطرون على 90٪ من وسائل الإعلام التي يسيئون استخدامها ليفرضوا على غير اليهود دكتاتورية على الصعيد العالمي، والرئيس الوحيد الذي تحدى سطوة الصهيونية كانت دويت إيزنهاور عندما أجبر اسرائيل على وقف عدوانها على بور سعيد عام 1956 وهدد بقطع المساعدات عن اسرائيل، وهذه الحالة كانت الوحيدة واليتيمة والرئيس جون كيندي أجبر اسرائيل على إلغاء حشودها على الحدود السورية عام 1963 بتدخل من السفير السوري آنذاك عمر أبو ريشة الذي ربطته علاقة مودة مع الرئيس كيندي.
فما السر في هيمنة الصهيونية على القرار الأمريكي والغربي؟ كتب رودريغ تريمبلي أن لاأحد يفهم ما يجري إلا إذا أدرك «التحالف السياسي» بين مؤيدي الليكود والمحافظين الجدد والمسيحيين الصهاينة الذين يمارسون الضغوط على الحكومات وسياسييها، حتى إن منظمة إيباك الصهيونية مدت نفوذها في أمريكا على مكتب نائب الرئيس والبنتاغون والوزارات والسيطرة على الجهاز التشريعي في الكونغرس، ويدعمها في مسعاها حلفاء أقوياء من كلا الحزبين الرئيسيين وكبريات وسائل الإعلام ومراكز أبحاث يدفع لها بسخاء، فغدت إيباك حكومة موازية للحكومة في واشنطن، لابل لها سيطرة عليها حتى اعتقد البعض أن ثمة تطابقاً في السياسات بين تل أبيب وواشنطن.
وأحدث مثال أن إيباك أعدت قرار دعم اسرائيل في قصفها الوحشي وغير الشرعي على لبنان، ففي 20 تموز 2006 صوت مجلسا الشيوخ والنواب بالإجماع لمصلحة القرار، ولكن في 10 آذار من العام ذاته قام الأستاذان ستيفن والت في جامعة هارفارد وجون مارشيمير في جامعة شيكاغو بنشر دراسة في مجلة (ذالندن ريفيو) بعنوان: أثر اللوبي الاسرائيلي في السياسة الخارجية الأمريكية، تفضح سياسات هذا اللوبي المتسلط على مراكز القرار الأمريكي.
كما نجح اللوبي بإقامة وكالة مصالح خاصة في حضن الحكومة الأمريكية وعلى حساب دافع الضرائب الأمريكي وسميت المكتب العالمي لمكافحة مناهضة السامية، وثمة مكتب مماثل في فرنسا ينسق بهذا الاتجاه، ونذكر ملاحقة المفكر الفرنسي روجيه غارودي على أثر نشره كتابه «الأساطير المؤسسة» حتى إنه هدد بالتصفية، وتمارس اللوبيات سيطرتها بتدخلها في تعيين الأشخاص في الحكومات الغربية ولاسيما الذين يطعنون في مصداقية وجهات النظر الصهيونية، وأقرب مثال كان الفيتو على تعيين شارل فريمان في مجلس الاستخبارات الوطني في الولايات المتحدة، والفيتو على تعيين هوبير فيدرين المقرب من العرب بمنصب وزير الخارجية في فرنسا.
فاللوبيات في حقيقة الأمر تنشط في البلدان الغربية مثل الاتحاد الصهيوني في بريطانيا وايرلندا الذي أنشىء عام 1899 للسهر على ترحيل اليهود إلى فلسطين، وهو المنظمة التي تضغط من أجل أن تبذل الحكومة البريطانية جهوداً أكبر في المواجهة في «المعركة» ضد معاداة السامية، وكذلك المجلس التمثيلي للمحافل اليهودية الفرنسية، إذ يطلق رئيسه ريشارد باسكيه النار على كل ما يتحرك، حيث اعتبر أن تظاهرات التضامن مع غزة هي معاداة للسامية، ويجعل كل الأبواب تفتح أمام المهام الصهيونية.
ونذكر أن وزيرتين فرنسيتين رشيدة داتي وفاضلة عمارة، يهمهما رضا المجلس التمثيلي اليهودي، وهما مسلمتان أكثر مما يهمهما نيل رضا المجتمع الفرنسي المسلم أو الأسود، وربما العشاء الذي دعا إليه المجلس التمثيلي اليهودي، رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا فيلون ضرب رقماً قياسياً، عندما طالب بأخذ الحذر من التظاهرات المعادية للسامية، واعتقد فيلون أنه مرغم على التهديد بمقاطعة المؤتمر الثاني للأمم المتحدة حول العنصرية في دوربان، إذا تم المساس بإسرائيل فيه.