أشار فيه أن الولايات المتحدة الأمريكية تأكدت أن الوقت قد حان لتسلم القيادة الأمريكية السيطرة على القوة الغربية المزدوجة المنقسمة في أفغانستان بدون سبب، وهي القوة التي يعود جزء منها حالياً لحلف الناتو - وجزء آخر للولايات المتحدة، والعملية الأخيرة التي قامت بها القوة والتي أطلق عليها اسم (الحرية المستمرة) وهو اسم شبيه بتلك الأسماء الغريبة التي اعتاد البنتاغون منذ زمن طويل إطلاقها على العمليات العسكرية التي يقوم بها، والتي كانت تعطى في السابق أسماء ذات ارتباط بالمجال الإنساني مثل السندان والشعلة وما إلى ذلك من أسماء مشابهة.
هذه القوة المزدوجة، هي نتيجة للفشل في جعل الناتو ينخرط بشكل جدي في أفغانستان، فالمخطط المتفق عليه، وإن كان بشكل غير رسمي للحلف، يفترض أن تشن أمريكا حروباً من أجل الحرية على أن يتولى الأوروبيون إزالة الحطام الذي يترتب على ذلك وبناء المؤسسات والمدارس، لكن ما حصل في أفغانستان هو أن طالبان استغلت الاهتمام الكامل الذي أظهرته واشنطن في العراق، واستطاعت العودة إلى البلاد مرة أخرى، ما وضع وحدات الناتو في موقف رد الفعل، ولم يتح لها فرصة تنفيذ ماكان يفترض أن تقوم به وفقاً للمخطط المتفق عليه.
كان هذا مافعله حلف الناتو ولكن بطريقة مشرذمة كما كان متوقعاً، ولاسيما بعد أن قامت كل حكومة من حكومات البلدان الأعضاء في الحلف، بتحديد تعريفات مختلفة لمهام وحداتها العسكرية هناك، فخاض البعض المعارك مثل الكنديين، بينما ذهب آخرون لبناء المدارس.
أما القوات الأمريكية الموجودة، فقد كانت بعيدة ومعزولة جغرافياً عن المكان الذي تعمل فيه باقي قوات الناتو، ومنخرطة تماماً في مطاردة عبثية لزعيم تنظيم القاعدة، وغيره ممن كان يحلو لوزير الدفاع الأمريكي السابق رونالد رامسفيلد أن يسميهم بـ «الأشرار».
إن الطريقة التي أديرت بها الحرب في أفغانستان لم تكن مرضية، وهاهو أوباما اليوم يقرر «لأسباب خاطئة وكارثية» أن يصبح هو أيضاً (رئيس حرب) تماماً كما فعل سلفه بوش تماماً، ويعتقد أن فوزه في الانتخابات يعني أنه سوف يحقق النصر في أفغانستان، بل وحتى في باكستان التي لم تكن ضمن حساباته الأولية، أو على الأقل هذا ما يبدو أمامنا الآن.
فباكستان ليست دولة واحدة، وإنما ثلاث دول مثلها، فوفقاً لمخطط موال لإسرائيل، طرحه (المحافظون الجدد) في نيويورك يهدف إلى تدمير باكستان باعتبارها الدولة الإسلامية الوحيدة التي تمتلك أسلحة نووية، وثمة دوائر هامة في باكستان مقتنعة اليوم أن الولايات المتحدة تنوي تقسيم باكستان إلى ثلاث دول جديدة أكبرها هي (بلوشستان) جديدة في الجنوب الغربي من البلاد حيث كانت توجد دائماً ميول انفصالية.
أما الجزء الكبير الثاني، فمن المفروض وفقاً لهذه الخطة أن يسلم لأفغانستان لإرضاء الطموحات الإقليمية القديمة لسكانه، على أن تتولى الدولة الجديدة التي ستقام في هذا الجزء، التي تضم جميع أراضي الشمال الغربي المضطربة التي تهيمن عليها قبائل البشتون التي ستعمل في هذه الحالة على سحق طالبان كنوع من التعبير عن العرفان بالجميل لمساعدتها على إقامة دولة خاصة بها، أما الدولة الثالثة، فيمكن أن تتشكل من الأراضي المبتورة الممتدة على طول الحدود الهندية، والتي من الواضح أنها ستخضع للهيمنة العسكرية الهندية، التي تعد الصديق الأفضل الجديد لواشنطن في منطقة جنوب آسيا.
صحيح أن هذا المخطط يصب في مصلحة القيادة الأمريكية لكنه يولد مشاعر العداء في نفوس الباكستانيين، ولكن ليس نفس درجة عدم التصديق، التي ولدتها خطة لتقسيم الولايات المتحدة التي دخلت مرحلة الأفول في التقهقر نشرها مؤخراً أحد المراكز البحثية في موسكو، ولكن ليس نفس مشاعر التشكيك ربما، فوفقاً لهذه الخطة، ستتألف الولايات المتحدة، التي لم تعد متحدة من هلال يضم كلاً من فلوريدا وأريزونا ومكسيكو ونيفادا، وكاليفورنيا، ستعود مرة ثانية إلى المكسيك، وسيسلم معظم الغرب الأوسط إلى كندا، ومن كتلة ولايات الشمال الغربي المطلة على المحيط الهادي، إضافة إلى آلاسكا، والتي ستكون من نصيب روسيا.
أما ما تبقى من الولايات المتحدة المعروفة لنا حتى الآن، والذي يتكون في معظمه مما يعرف بولايات «الحزام الصدىء» إضافة إلى الأراضي التي يسكنها البيض الأنكلو ساكسون الذين يدينون بالبروتستانتية مع - وول ستريت- فسوف يتم تركها حتى تتدبر أمرها.
وإذا ما نسينا التقسيم الافتراضي لباكستان حالياً «الذي وإن كان لايزال مخططاً من بين مخططات أخرى كثيرة لـ - المحافظين الجدد- إلا أنه يجب أخذه على محمل الجد،» ويجب أن نتذكر أن حلف الناتو يواجه الآن احتمال عودة جميع وحداته التي لاترغب في القتال تحت الراية الأمريكية بدلاً من (راية الناتو) إلى أوطانها من أجل (الدفاع) عن أوروبا، لكن ضد من هذه المرة؟ هل ضد روسيا التي لم تعد لديها طموحات أوروبية، وليست لديها اليوم أي ايديولوجيا، ولم تجب بعد عن أسئلة عميقة تتعلق بمستقبلها السياسي القومي، ولاتبغي في الوقت الراهن سوى أن تترك لوحدها لتبيع النفط؟ أم للدفاع عن أوروبا ضد تهديدات لمصادر طاقة أوروبا الشرق الأوسطية؟
في هذه الحالة، تشير مصالح الناتو الطويلة الأمد إلى أهمية عقد صداقة أفضل مع إيران والسعودية ودول الخليج العربي.
إن دول الناتو الرئيسة ليست بحاجة إلى توسيع نطاق الحلف أو حرب تشنها أمريكا في وسط وجنوب آسيا، لكن عندما يجيء الجنرال بترايوس إلى مقر الناتو ليقول في كابول: أيها الأصدقاء.. لقد آن الأوان كي تحسنوا تصرفاتكم وترتفعوا إلى مستوى المسؤولية الملقاة على عاتقكم، أو ترحلوا من هنا، وقتئذ سيكون جوابهم: جنرال بترايوس، إن حقائبنا محزومة وجاهزة، ونرجو أن تقبل نصيحتنا الأخيرة قبل الرحيل، لايوجد مستقبل لأي جندي أوروبي في هذا البلد أفغانستان.