تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


معيــــــار آخــــــــر.. الأم معنية بمحو أميتها تجاه أطفالها أولاً

مجتمع
الخميس 9-4-2009م
ملك خدام

لأنها لا تعرف القراءة، لم تتمكن من ملاحظة خطورة الإنذار الذي ورد ضمن لافتة مزروعة في أرض بور «انتبه حقل مزروع بالألغام» وأمعنت التوغل داخل هذه الأرض وهي تركض للحاق بحمارها الذي تمرد على عصاها واقتحم هذه الأرض هربا منها.

وفجأة وبلا سابق إنذار دوى انفجار وعندما هرع أهل القرية الهاجعة على الحدود الشريطية بيننا وبين العدو إلى مكان الانفجار حمدوا الله كثيرا أن الميت كان حمارا بينما فقدت فطوم أحد ساقيها «والرمد أحسن من العمى» وشاع بين أولاد القرية فيما بعد اللقب الذي لازمها حتى موتها «فطوم العرجة» وقررت فطوم بعد أن تعافت السعي لمحو أميتها فانتسبت إلى أحد مراكز محو الأمية التابعة للاتحاد العام النسائي واستطاعت في غضون زمن قياسي محو أميتها وصارت بعد أن أحرزت الشهادة تسعى إلى نقل خلاصة تجربتها إلى بنات قريتها وفتحت فطوم بيتها لكل راغبة بمحو أميتها وأخذت نساء القرية يترددن على منزل فطوم التي تفانت في مساعدتهن على فك الحروف بما امتلكت من مرارة التجربة التي فقدت فيها أحد ساقيها.. واستطاعت فطوم بما أنجزت على مدى أعوام تجاوز إعاقتها بالمفهومين المعنوي (الجهل ) والجسدي (العرج).‏

تذكرت تلك الحكاية المؤثرة بمناسبة تكريم الأمهات اللواتي محون أميتهن لهذا العام ، وأنا أدرك في الواقع أن الأمية الحقيقية هي أمية الحياة.. فكم من أم أحرزت أعلى الشهادات ولكنها لم تتمكن بعد من تعلم أبجدية الحياة بحلوها ومرها وسقطت على أبوابها في أول امتحان...‏

فهذه منىقد فقدت صبرها أمام ابنها المعاق فوضعته في مدرسة داخلية لتتفرغ -(حسب قولها) لنيل رسالة الدكتوراه بينما استطاعت زوجة حارس المدرسة محو أميتها «بغيرها» عندما تمكنت من تعليم أولادها الثلاثة في مدارس نموذجية، وتمتعت بثمار تفوقهم بتكريمها في حفل المدرسة..‏

المشكلة أنه لغاية يومنا هذا، يقتصر مفهوم الأمية ومعالجتها على تعلم القراءة والكتابة ولكن ماذا عن أمية العامة بالحاسوب الذي غدا أهم أداة من أدوات المعرفة وتنافسه غير المتكافىء مع الكتاب المقروء..‏

وماذا سنقول بشأن أمية بعض النساء (ومنهن المثقفات) بأبسط أساليب تنظيم النسل ولجوئهن إلى إجهاض غير آمن يهدد حياتهن وحياة أطفالهن...‏

وكيف نقنع أمهات المستقبل بأن أهم مكتبة على وجه الأرض وأغناها هي «مكتبة الحياة» نتعلم منها يوما بيوم كل جديد ومفيد...‏

فسني حياتنا على حد قول دكتورنا الفاضل «أسعدعلي » في سعادة الوعي، لاتكفي أبدا لقراءة الكتب الجيدة فلنعمل بجهد على اختزال مكتبة الحياة بإنفاق سني عمرنا في قراءة أجود الكتب.. وأجود ما في مكتبة الحياة لعمري هو المشروع الانساني الكبير الذي نبدأه مع ولادة أول أطفالنا...‏

فكل طفل بحد ذاته مكتبة مستقلة نتعلم منه ونعلمه كل على حدة والأم الحقيقية هي التي تتمكن من محو أميتها تجاه أطفالها أولا وتجاه نفسها والحياة أخيرا...‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية