لم أقرأ في صحافتنا الثقافية السورية أي حوار معه، ولم أصادف اسمه فيها إلا مرة واحدة حين تطرقت مادة صحفية إلى الأغزر انتاجا في وزارة الثقافة وبالتحديد في مديرية الترجمة والتأليف، لم يتطاحن مع أحد على منصب أو موقع، ولم يدخل في متاهات الصراعات الثقافية، كبيرة كانت أم صغيرة، وقلما دخلت إلى مكتبه ووجدته يدير حديثا أو يناقش في أي شأن، وغالبا ما يكون منهمكا في ترجمة كتاب أو مراجعة آخر، وإذا ما سألته رأيه في هذه المشكلة أو تلك، في هذا الشخص أو ذاك، رد بإجابات مقتضبة وحاسمة لا تترك مجالا للجدل كأنه متعجل للخروج من صمت ضجيجنا إلى ضجيج صمته، ذلك الضجيج المنتمي إلى أرومة الخلود، كنحات يقد صخرا لا تأكله الأيام والسنون.
د. أنطون حمصي يتألم اليوم بصمت بعد أن جاوز الثمانين من العطاء، وفي زحمة ضجيجنا لا نتذكره إلا عندما نزور معرضا للكتاب أو نمر أمام بسطة كتب، نقرأ اسمه بسرعة وننساه أسرع لأننا تعودنا على تذكر أولئك الذين يتحدثون كثيرا ويعملون قليلا.
لاأريد الآن أن أفتح موضوعا إشكاليا حول دور مؤسساتنا الثقافية في مثل هذه الحالة ولا أرغب في هذا السياق بالذات أن أدينها أو أمتدحها، لكنني سأكتفي بالتنويه إلى أن القيادة السياسية طالما عودتنا في مثل هذه الحالات على جرعاتها الإسعافية للمفكرين والأدباء والفنانين السوريين والعرب متداركة بذلك غفلة تلك المؤسسات، وبناء عليه يحق لنا أن نقول : قليل من الاهتمام في شتاء د. أنطون حمصي يكفي، مع أنه لايفيه إلا القليل القليل من حقه علينا .
د. أنطون حمصي : نحيي فيك صمتك وصبرك على ضجيجنا ونحيي أكثر ضجيجك في القادم من الأيام حين سيلف الصمتُ معظمنا. .