بمثل هكذا عنوان يصر «ليتس» على تحقيق هذه الشرطية.. فلشهر (آب) دلالة زمنية.. بينما تختصر مقاطعة أوساج الدلالة المكانية.. لكن لمَ يحافظ مخرج سينمائي «ويلز» على ذات التسمية بمدلولاتها المناسبة أكثر للشرطية المسرحية.. ؟
ثمة نوعٌ من التوطئة المحققة.. يستشفها المتلقي الذي لن يحتاج إلى كثير إعمال فكر ليدرك أن أحداث الفيلم كانت في شهر آب وبمقاطعة أوساج قبل حتى أن يشاهده.. وكأنما هي غاية يتفق عليها كل من شخص (المسرحي) وشخص (السينمائي).. تتمثل بالتمسك ببؤرة الحدث وزمانه.. المنطلق لأحداث أخرى تتوالى وفق عملية انكشاف وانفلاش وكأنها قطع «دومينو».
لطالما كان هدف النص التركيز على إحدى الأسر الأمريكية القاطنة في أوكلاهوما.. التقاط تفاصيل حياتها.. مشكلاتها.. والمصاعب التي تتلقف أفرادها واحداً تلو الآخر.. فإنه لن يبتعد عن هدف عدسة المخرج ويلز.. الذي يصوّب عين كاميراه على هذه الأسرة محاولاً قدر المستطاع التخلص من درامية لحظات الذروة التي يغصّ بها النص.. وإلباسها هيئة سينمائية.. هل نجح بذلك.. ؟
مركز الحكاية، بمختلف تفاصيلها، لن يبتعد عن بيت عائلة بيفرلي ويستون.. فالمكان واحد.. لربما تبدّل بمشاهد قليلة جداً.. يحافظ الفيلم على ذلك ويحاول المخرج تمرير بعض اللقطات لمناظر توحي بالطبيعة المحيطة بالمكان.. ولهذا بقيت الحالة البصرية فقيرة محدودة قياساً إلى عمل سينمائي يفور بلحظات مواجهة تبقى تحافظ على بنية تصعيد درامية.. الأمر الذي يمنح الفيلم توصيف «درامي» بامتياز.. تتخلله بعض المواقف الكوميدية..
هل ناسبت لحظات التصعيد الدرامي «المكثفة»، الملائمة لفضاء الخشبة، عوالم الفن السابع.. ؟
تبقى محاولة ويلز أمينة للنص.. فلا بهرجات بصرية ولا محاولات لإلهاء عين المتلقي.. ولهذا قيل في بعض الانتقادات التي وُجهت للفيلم حديث الإنتاج (2013)، إن العمل المسرحي كان أنجح من النسخة السينمائية.. دون أن يؤثر ذلك في وصوله إلى مكانة متقدمة في البوكس أوفيس الهوليوودية وصالات السينما العالمية مؤخراً.. ودون أن يُبطل من مفعول هالة الحضور والأداء القوي لكل من ميريل ستريب وجوليا روبرتس.
الرابط الزماني المكاني.. يبقى جامعاً ما بين نسختي العمل مسرحياً وسينمائياً.. وهو بالتالي ما يوصل إلى أن نقطة الالتقاء بين ويلز وليتس تتمثل تركيزاً على (الأسرة الأمريكية).
على ملصق الفيلم كُتبت عبارة (الشقاء يحب الأسرة- misery loves family ).. وعليه سيكون من مهمة الفيلم تصوير خطوات الشقاء المتنقلة بين أفراد أسرة السيد بيفرلي ويستون..
هل يسعى إلى نقل تعاستهم أم فضح تصرفاتهم.. ؟
فالأم (فيوليت- ميريل ستريب) مدمنة على المخدرات وتعاني من مرض السرطان.. الأب بيفرلي مدمن على الكحول، يختفي ويكون اختفاؤه سبباً بلمّ شمل عائلته من جديد.. وكل واحدة من بناتهما الثلاث تحيا حياتها الخاصة بعيداً عن الأبوين.. يأتيهم خبر موت الأب فيجتمعون أثناء الجنازة.. لتكشف لحظة اللقاء الكثير من الأسرار وصولاً إلى الحضيض.
شخصيات مأزومة تبدو محور نص يسعى إلى تظهير مشكلات ومساوئ ذاك المجتمع.. نقلها.. بكل حذافيرها وأدق تفاصيلها.. تكسب العمل سماته الواقعية.. وإن كان يسعى إلى إيصال رائحة عفونة العقلية الأمريكية إلا أنه بالآن عينه ينجح في تصوير مرونتها وقدرتها على مواجهة أكثر مواقف الحياة تعقيداً..
من أكثر المشاهد قوةً وتأثيراً والتي تعكس آلية تفكير تلك العقلية، المشهد الذي تتشاجر به الأم (فيوليت- ستريب) والابنة (باربرا- روبرتس).. حين تحاول الأخيرة تخليص والدتها الحبوب المخدرة.. ثم تمضيان في اليوم التالي إلى عيادة الطبيب وكأن شيئاً لم يكن.
المفارقة.. اللاذعة.. التي يظهّرها الفيلم تتبدّى بصيد الحالة المتمثلة بكون (فيوليت- ستريب) تتحدث بطريقة أقرب إلى العنصرية تجاه الخادمة (جوانا) ذات الأصول العائدة إلى الهنود الحمر.. وفي آخر المطاف، في آخر لقطة لـ(فيوليت) تبدو وهي تبحث عن (جوانا) التي لا تتوانى عن ضم السيدة بين يديها.. كإيحاء مؤثر وغاية في العبير عن عفونة العنصر الأمريكي غير الأصيل على تلك البقعة من الأرض التي سلبها من يدي ساكنها الحقيقي.