لكن رغم ذلك لا تزال تتهدد تلك المرحلة التاريخية المخاطر نظراً لكونها -أي المرحلة- فرصة مناسبة لإيجاد مخرج لمشكلات الطرفين المتأرجح حلها منذ فترة غير قصيرة، ففي البداية هناك إسرائيل التي لا تحبذ إزالة التوتر بين كل من الولايات المتحدة وإيران فتصعيد حدة هذا التوتر بينهما يخدم الأهداف الاستراتيجية الإسرائيلية بشكل كبير وذلك لإسهامه في إبعاد وصرف أنظار الرأي العام العالمي عن أعمال إسرائيل الإجرامية التي ترتكبها بحق الشعب الفلسطيني، بما في ذلك تشييدها جداراً غير شرعي في الضفة الغربية، هذا إلى جانب توسعها بشكل غير قانوني في بناء المستوطنات اليهودية فوق أراض فلسطينية معترف بها دولياً واغتصابها آلاف الدونمات منها، إضافة لاعتداءاتها المتكررة على سكان تلك المناطق من العرب مع استمرار تهويدها للقدس الشرقية وحصارها الجائر لقطاع غزة.
من هنا جاءت ممارسة الإسرائيليين أشد أنواع الضغوطات على أوباما أولاً: في محاولة لفك ارتباط واشنطن بعلاقات طبيعية مع طهران وتقليص مرحلة الارتباط تلك بأشهر معدودة ليس إلا وكحد أقصى.
ثانياً: تشتيت المساعي المبذولة حتى الآن بين الجانبين وجعلها هشة وذلك من خلال قرع تل أبيب لطبول الحرب مراراً وتكراراً.
ثالثاً: الحصول على تعهد من الرئيس الأميركي يلزمه بتبني أساليب سياسية حازمة في علاقاته مع إيران يليها مباشرة تحقيق رغبة الإسرائيليين في إفشال الطرق الدبلوماسية المتبعة حتى الآن بين واشنطن وطهران، هذا إلى جانب عودة المحافظين الجدد وأنصارهم أصحاب السمعة السيئة إلى الساحة وهم الذين غادروا السلطة في واشنطن، لكن أفكارهم وطروحاتهم ظلت تتردد داخل كواليسها حتى اليوم ونظراً لانتماء المحافظين الجدد لفئة سياسية تلقب بالصقور فقد انبروا في الدفاع عن نهجهم القديم الذي تبنوه خلال تعاملهم مع الملف الإيراني من خلال تمجيدهم لفترة رئاسة بوش الابن الأولى ورغم أن الانتخابات الرئاسية لعام 2008 قلصت من سلطتهم داخل واشنطن إلا أنهم لم يتخلوا عن أهدافهم الاستراتيجية وخاصة عندما يتعلق الأمر بطهران، وتعيد حالياً الظروف السياسية المحيطة بالمحافظين الجدد نسج خيوط سمعتهم السيئة لتشكل تحدياً تجتهد غالبيتهم في مواجهته باعتبارهم مجموعة متماسكة تسعى على الدوام لضم أنصار جدد إليها، علماً أنهم لم يألفوا أن يتحداهم أحد.
وتدرك تلك المجموعات من المحافظين الجدد أن الرئيس دبليو بوش سجل فشلاً سياسياً منذ غزو القوات الأميركية للعراق ليصبح عاجزاً عن تنفيذ سياسات أكثر شدة إزاء طهران خلال فترته الرئاسية الثانية، كذلك كان بوش الابن غير جاهز للمبادرة إلى دفع الإسرائيليين للقيام بتنفيذ وعودهم بضرب إيران عسكرياً خلال الأشهر الأخيرة من ولايته، فقد كانت وما زالت هناك ضمانات قليلة ومحددة تحول دون وقوف واشنطن وراء تأييد توجيه تل أبيب أي ضربة عسكرية ضد إيران وبالتالي تأجيج الصراع في المنطقة.
وتهدف تلك السجالات اليوم إلى إثارة حنق واشنطن، ما سيؤدي إلى التراجع عن كبح جماحها تجاه إيران وبالتالي إلى إحباط المسار الدبلوماسي الأميركي الجديد، وتكمن مطالب هذا المسار المنطقية بقيام طهران بحثّ أوباما على اتخاذ خطوات جريئة وجوهرية من خلال دفعه لإقامة علاقات ودية مع إيران عبر الكف عن تجميد الودائع والسندات المالية الإيرانية والتخفيف من العقوبات الأحادية ضدها، هذا ومن المعروف أن أوباما ينتمي إلى أحزاب الوسط السياسي الأميركي ويواجه مؤخراً ضغوطات متنامية من الأحزاب اليمينية بالنسبة لسياسته الخارجية مع إيران، ما يجعله يبدي اهتماماً متزايداً بنصائح الصقور المحيطين به في البيت الأبيض على غرار «دينس روس» ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون في حال تلاشت الفرص القائمة حالياً على هامش تباين وجهات النظر بين الولايات المتحدة وإيران على أكثر من صعيد.
3/6/2009