تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


غزة .. الموت حصاراً!!

شؤون سياسية
الاثنين 28/1/2008
سليم عبود

يوم قررت إسرائيل أن تخرج من غزة وأن تخلي المستوطنات فيها بدا الأمر في وسائل الإعلام العالمية جريئاً وأن إسرائيل تريد السلام.

كثيرون خدعوا بذلك,وكثيرون آخرون كانوا يعرفون أن مايحدث يأتي في إطار استراتيجية إسرائيلية تهدف إلى تحقيق مجموعة من الأهداف تحت مظلة الخداع الإسرائيلية, والتي نرى نتائجها اليوم.‏

بعض وسائل الإعلام في العالم العربي, وخارجه آنذاك.. راحت تدعو العرب إلى فتح صفحة جديدة مع إسرائيل, بزعم أن إسرائيل بدأت صفحة جديدة في علاقتها مع الفلسطينيين , وذلك بعقد اتفاقيات سلام ومبادلات اقتصادية لتشجيعها - بحسب رأيهم- على تحقيق مزيد من الخطوات لمنح الفلسطينيين استقلالاً ودولة على أرضهم في حدود عام .1967‏

ثمة من كان على اقتناع بأن إسرائيل لم تغير من طبيعتها العدوانية أبداً, وهذا الانسحاب المقرر ليس أكثر من انسحاب إلى خارج جدران السجن (غزة), ليسهل عليها معاقبتهم بشكل جماعي, ومحاصرتهم حتى الموت بقطع الماء والكهرباء والدواء والنفط حرمانهم من كل وسائل الحياة.‏

إسرائيل لن تغير من استراتيجيتها التوسعية, وإن انسحابها من غزة يأتي لأسباب كثيرة تمليها الظروف الراهنة ولأهداف راحت تتكشف بعد الانسحاب منها: صعوبة بقاء الجيش الإسرائيلي في مواجهة الانتفاضة المشتعلة والمستوطنات الإسرائيلية تحت حراسة الجيش في رمال غزة المتحركة والصواريخ الفلسطينية التي كانت تسقط عليها بين الحين والحين, وإن الانسحاب يسهل على إسرائيل تحويل قطاع غزة إلى سجن كبير, تحيط به إسرائيل من البر والبحر ومن السماء بالسيطرة على المطارات والموانىء والمعابر البرية مع مصر, ولا تغادر أجواءه الطائرات المسيرة من دون طيار والطائرات المقاتلة لتصطاد متى شاءت البشر والشجر والحجر في المدن والقرى ,وهذا يحقق لإسرائيل حرية السيطرة والقتل والضغط بأقل تكلفة من الخسائر البشرية والمادية, أما بشأن المستوطنات فسيتم زرعها في وادي عربة على ضفاف الأردن وراء الشريط المقرر أن يكون الانسحاب الإسرائيلي منه كخطوة قادمة وهذا ما يعطي انطباعاً بأن إسرائيل لاتفكر بالخروج من الضفة الغربية كما يحلم الحالمون وكما تروج أميركا.‏

لم يختلف وضع غزة بعد الانسحاب الإسرائيلي, فالحصار استمر واستمرت الدبابات الإسرائيلية بالتوغل بين الحين والحين وافتعال الأزمات على المعابر مع مصر, وتصاعد هذا الضغط بعد وصول حماس إلى السلطة عبر انتخابات ديمقراطية اعترف بها العالم, واتخذت إسرائيل من قضية الجندي جلعاد ذريعة لشن حرب تدميرية على البنية التحتية للقطاع دامت شهوراً, وتصاعدت الضغوط الأميركية على حكومة حماس لإفشالها ومحاصرتها ومحاصرة الشعب الفلسطيني للموت جوعاً عقوبة لهم على اختيارهم ( حماس) ولإجبارهم على الانتفاضة في وجه هذه الحكومة إن كانوا يريدون الحياة, ومارست الرباعية الدولية ضغوطاً مماثلة وللأهداف نفسها واشترطت على تلك الحكومة للتعامل معها ضرورة الاعتراف بإسرائيل, واستغلت إسرائيل ذلك وزادت من حصارها ومنعت وصول المساعدات العينية والنقدية, وقامت باعتقال عدد من القيادات الفلسطينية ( في المجلس التشريعي والحكومة) دون ردود فعل على هذا التصرف من قبل دول العالم, وتحول الشارع الفلسطيني تحت ضغوط الخوف والجوع والحصار والقتل والتوغل الإسرائيلي شهوراً طويلة في مدن القطاع, وحركت أميركا وإسرائيل الخلاف بين الفصائل الفلسطينية, وهيأت الأجواء العكرة بين الفصائل إلى تعميق الخلافات واتخذ الصراع شكل صدام دموي في جولات متتالية من المناوشات العقيمة والعديمة المعنى والمثيرة للاستهجان, والخطف المتبادل في داخل أحياء يختلط فيها حابل الفقر بنابل البؤس, ولاوجود فيها لخطوط تماس, وتتخذ الجولات كما يقول الكاتب عزمي بشارة طابعاً ثأريا عشائرياً, ويسقط أطفال (تصادف وجودهم) في منازل وحارات, ويعقب المناوشات وقف إطلاق نار, وتصريحات وبيانات وناطقون, وما أكثرهم, وصرخات قلوب كسيرة للتوقف, وتتدخل دول منها من يتدخل لأن غيره فعل, وهو ليس أقل من غيره, ومنها من يريد أن يصلح ذات البين فعلاً, ومنها من يريد دورا, ومنها من يستغل الوضع لبيان صحة ما ذهب إليه من ضرورة قبول الشروط الدولية لرفع الحصار, منذ تلك المرحلة أصبح تجنب اتخاذ الموقف سهلاً غيرممتنع, وتيسرت لكل انتهازي السبل لإلقاء الموعظة الحسنة, وبات كل شقي مثير للشقاق والخصومة مصلحاً).‏

الحالة الفلسطينية في غزة اليوم تتجه نحو وضع صعب, والإسرائيليون ممعنون في قتل الفلسطينيين ومحاصرتهم وقطع وسائل الحياة عنهم, وهذا الوضع الذي يعانيه الفلسطينيون, والذي جاء خلال وبعد جولة بوش إلى المنطقة ليس له نظير في تاريخ الشعوب, حتى في زمن النازية في أوروبا.‏

والأكثر خطورة في ذلك, أن العالم يواجه حالة الحصار والقتل على الفلسطينيين وعلى الحياة في غزة بكل وجوهها بالصمت, وكأن العالم فقد نبض المشاعر الإنسانية تجاه شعب يموت ويتعرض للفناء, أو أن هذا العالم أخرسه الخوف من أميركا والصهيونية, وما هو أكثر إيلاماً هو هذا الصمت العربي في مواجهة الإرهاب الإسرائيلي, والتعامل مع مايجري في حق الشعب العربي الفلسطيني في غزة وكأنه يجري في قارة خارج قارات الكرة الأرضية!!.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية