حول ضرورة قيام الرئيس الأميركي القادم بإصلاح الأضرار العميقة التي سببها سلفه وتمخضت عن حرب لا مبرر لها ضد العراق ومن ثم إدارتها بغير كفاءة, يتوجب على المرشحين للبيت الأبيض التكلم مع الشعب الأميركي بصراحة حول موعد انسحاب القوات الأميركية المرابطة في العراق ووصل عددها إلى 165 ألف جندي وحول خطوات تنفيذ هذه العملية وكيفية تنظيم العلاقات مع العراق والمنطقة العربية من الآن فصاعداً لكن رغم ذلك يشهد الخطاب السياسي حول حرب العراق تراجعاً في حملة الرئاسة الأميركية المستقرة في البلاد وبخاصة على صعيد مواقف المرشحين الجمهوريين الذين لن يبتعدوا مطلقاً عن خطوط حزبهم رغم معرفتهم المسبقة أن الشارع الأميركي يطالب بعودة تلك القوات إلى ديارها.
مضى عام على إعلان الرئيس بوش أنه يسعى لإنقاذ قواته من مغامرته الفاشلة في العراق عن طريق إرسال المزيد من القوات إلى هناك بلغ عددها 30,000 جندي أميركي ورغم أن عام 2007 من أكثر الأعوام عنفاً في العراق منذ الغزو الانغلو- أميركي له عام 2003 ولأن ليس في جعبة بوش الابن أي جديد على صعيد العملية الدبلوماسية تستمر حرب العراق كدليل على سوء تصرف الحزب الجمهوري سياسياً وعسكرياً رغم التكتم حول عدد الجنود الأميركيين الذين قتلوا في العراق والموارد التي تم تبديدها هناك مع تصعيد الممارسات التعسفية وأعمال العنف في أفغانستان وتوسع شبكة انتشار (القاعدة).
ومن المرشحين الذين يناهضون سياسة بوش الابن( رون بول) الذي يلح على انسحاب القوات الأميركية من العراق في الحال إلا أنه يجد صعوبة تعترض طريقه للوصول إلى البيت الأبيض, أما غالبية المرشحين الجمهوريين لمنصب الرئاسة الأميركية فتشد على يد بوش الداعية إلى حرب لا نهاية لها في العراق وتكاد تلك الأغلبية الجمهورية دون استثناء تعارض تحديد جدول زمني لانسحاب القوات الأميركية من العراق حتى أن(مايك هاكابي)حاكم اركنساس السابق والذي اتهم بوش باتباع سياسة (العقلية المتعجرفة) وعد بعدم سحب القوات بسرعة ما لم يطلب ذلك (ديفيد بترايوس) قائد القوات العسكرية الأميركية في العراق وهاهو (جون ماكين) المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية يقود حملة انتخابية لاقناع بوش بتعزيز القوات الأميركية في العراق بحجة انخفاض مستوى العنف هناك فإذا ما رغبت واشنطن نجاح مهمتها في العراق حسبما صرح ماكين مؤخراً فعليها إرسال المزيد من القوات مقارنة مع تلك التي زجت هناك منذ عام (الغزو) 2003 إلا أنه من غير الواضح الدافع وراء مبررات الحزب الجمهوري ومرشحيه للرئاسة بالنسبة لإمكانية عودة القوات الأميركية إلى وطنها الأم.
قد يرغب عدد من المرشحين الديمقراطيين في وضع حد للحرب الأميركية على العراق رغم أن هذه القضية لم تعد محور حملاتهم الانتخابية كما كان عليه الحال فيما مضى أيام بوش الأب, يومها دخل الاقتصاد الأميركي مرحلة ركود لاتزال انعكاساته بادية للعيان, ألم تعمد كل من هيلاري كلنتون وزميلها السيناتور السابق (جون إدواردز) أسوة بغالبية أعضاء الكونغرس إلى تأييد قرار شن حرب على العراق? هذا رغم رجوع إدواردز عن تصويته هذا مع تقديم هيلاري تفسيراً غير مقنع لتصويتها لصالح قرار الحرب, أما باراك أوباما فقد عارض غزو العراق الذي أكسبه سمعة حسنة في الأوساط السياسية بسبب موقفه هذا, ويدعم( إدواردز) انسحاب القوات الأميركية خلال عشرة أشهر في حال توليه منصب الرئاسة مقارنة بمنافسيه هيلاري وأوباما وصرح كل منهما أنه على استعداد لسحب تلك القوات بسرعة ولكن لم يحدد أي منهما المدة التي سيستغرقها هذا الانسحاب, ويقول أوباما إنه سيمنح البنتاغون ستة عشر شهراً لاستصدار قرار بسحب القوات الأميركية من العراق شرط أن يعتمد الجدول الزمني لهذا القرار على الأوضاع الأمنية في العراق هذا ولم تحدد هيلاري جدولاً زمنياً للانسحاب, ويرغب كل من المرشحين أوباما وهيلاري في الاحتفاظ بوحدات لمكافحة الإرهاب وتدريب الشرطة العراقية مع التأكيد على أن أي انسحاب يجب أن يكون مسؤولاً.
هناك العديد من القضايا الهامة لم تتم مناقشتها على صعيد الحملة الانتخابية الخاصة بالرئاسة الأميركية كمصير آلاف العراقيين الذين ساعدوا الأميركيين وقوات الائتلاف على غرار المترجمين والسائقين الذين يواجهون عقوبات مفروضة عليهم, كيف ستكون طبيعة ومضمون أي اتفاق بالنسبة لمستقبل العلاقات العراقية الأميركية? ومتى سيقول الكونغرس كلمته في هذا الموضوع? هل ستتدخل الأمم المتحدة كما يقترح كل من هيلاري وأوباما.
لقد كشفت حرب العراق عن عجز الوكالات الأميركية المدنية لمواجهة حاجات هذا البلد العربي بسرعة لما بعد الحرب التي لم تضع أوزارها بعد بدءاً من إعادة إحياء البنية التحتية لقطاع الطاقة , وضمن هذا السياق اقترح (من رومني) من الحزب الجمهوري حاكم ولاية ماسشوست السابق إيجاد سلطة متكاملة اقليمية للوكالات المدنية في العراق.
هناك قضية أخرى حاسمة تتعلق بالحرب الاستباقية حسب المنظور الأميركي أو الحرب الوقائية طبقاً للمفهوم الانغلوساكسوني, ألم يعمد بوش الابن على غزو العراق على اعتبار أنه يشكل تهديداً على الولايات المتحدة ولتبرير حربه قام بإقناع الأميركيين بأن العراق يمتلك برنامج أسلحة نووية وكيميائية وتبين فيما بعد أن العراق لا يمتلك مثل تلك الأسلحة, يجب أن يتعلم الناخبون الأميركيون درساً من عام 2000 عندما تهرب بوش من الإجابة على التساؤلات حول السياسة الخارجية الأميركية خلال حملته الانتخابية الماضية حين تمكن من خداع الشارع الأميركي ومن ثم عمل على شن حرب كارثية على العراق يدفع اقتصاد الولايات المتحدة ضريبتها ثمناًباهظاً اليوم.