وتضاربت الآراء حول دوافع ذلك التوجه,حيث يرى البعض بأنه جاء نتيجة للخشية على تاريخه السياسي,والبعض الآخر يرى أن اجتماع انابوليس والزيارة التي يقوم بها إلى الشرق الأوسط ليس لها من هدف سوى تلميع صورته أمام العالم,ويرى آخرون بأن ما اتبعه من سلوك جاء جراء ما اسرت به وزيرة الخارجية كونداليزا رايس بأن الوضع القائم يذكرها بالتمييز العنصري الذي كان قائماً في جنوب امريكا.وفي كل الاحوال,ستبدي لنا الايام ما نجهله. شارك معظم القادة العرب في اجتماع انابوليس على الرغم من قناعتهم بعدم جدواه,وكانت توقعاتهم في محلها إذ لم ينتج عنه سوى مقررات غامضه تقول بانشاء دولة فلسطينية قبل نهاية هذا العام,في الوقت الذي يستمر الاسرائيليون بالتوسع ببناء المستوطنات حول القدس المحتلة,ومهاجمة نابلس في الضفة الغربية وقصف غزة بالطائرات .عندما حل بوش بالمنطقة انتقد (على نحو غير مألوف) اسرائيل على عدم تفكيكها نقاط التفتيش,وعبر عن استيائه من أمور أخرى,واشار إلى انهاء (الاحتلال),تلك العبارة التي استعصى لفظها على الكثير من الساسة الامركيين إلا أن الرئيس الامريكي قد نطق بها تعبيراً عن الوجود الاسرائيلي في الأرض الفلسطينية.
وعلى النحو غير مألوف لم تغضب أقوال بوش ومواقفه الأخيرة الاسرائيليين,حيث نجد بأن رئيس الحكومة ايهود اولمرت يوافقه الرأي بشأن نقاط التفتيش ويرى بها امراً مخزياً لاسرائيل,كما نلاحظ التفاؤل الكبير في الصحافة الاسرائيلية جراء زيارة قائد العالم.فلماذا هذا التفاؤل? هل كان نتيجة قراءتهم لما يدور في خلده ,التي ظهرت جلية في زيارته ومشاهدته للصور المروعة للمحرقة وابدائه الأسف والأسى (على ما حدث لليهود) بشكل كبير زاد عن المألوف,في الوقت الذي لم يذرف فيه دمعة واحدة على الفلسطينيين الذين عانوا ومازالوايعانون وسيعانون في المستقبل,وكان من الاجدر به ان يذرف دموعه على القتلى من الفلسطينيين,ويشعر بالاسى على الاحياء منهم,وخاصة انه في قمة المسؤولية وباستطاعته تغيير احوالهم. ومن دواعي الاستغراب ان المعلقين الاسرائيليين لم ينتقدوا موقف بوش الذي ابداه حول الفلسطينين,ذلك لأنهم على قناعة تامة بأنه يدعم مواقف اسرائيل,وان الغاية من توجيهه النقد لها هو ارضاء العرب,ولقناعتهم بأنه لولا الدعم العسكري والمالي الذي تقدمه الولايات المتحدة لما كان لها وجود في الوقت الحاضر على خارطة العالم.
إن بحث الرئيس الامريكي عن الحمائم البيضاء واغصان الزيتون جعله يشد الرحال إلى دول الخليج,لكنه من دواعي الاستغراب في هذه الزيارة ان يضع الصراع الفلسطيني- الاسرائيلي في المقام الثاني من اهتماماته بينما اعطى المقام الأول للوجود الامريكي في العراق.واضفى اهتماماً لحادثة قيل بأنها جرت في مضيق هرمز, حيث اتهمت البحرية الامريكية القوارب الايرانية بالاقتراب من سفنها الحربية بشكل استفزازي,واسقطت صناديق بيضاء في المياه,ولتأكيد ادعاءاتهم ابتدعوا صوراً وتسجيلات صوتية تتوعد بتفجير تلك السفن ,ويبدو ان هذا الادعاء كان المبرر الرئيس لجولة بوش في المنطقة,والتي كان يهدف منها التحريض ضد ايران بعد ان جرى اصطناع حادثة مضيق هرمز,وتحذيرها من العواقب التي قد تلحق بها,كما كان يهدف من الزيارة إلى حشد امكانيات دول الخليج ضد مطامع جارتهم (قبل فوات الاوان).إن الحادثة المثارة لم تأت مصادفة مع زيارة الرئيس,على الرغم من أنها لم تحدث أصلاً,وفقاًلما اكدته التصريحات الايرانية,وما اشار إليه البنتاغون عندما قال ربما لا يكون صوت التهديد صادراًعن القوارب الايرانية,وإن الصناديق البيضاء لا تشكل أي خطورة.
لا شك بأن بعض الدول تخشى من الطموحات النووية لايران,وامتداد تأثيرها الجيوسياسي.لكنهم يرفضون رؤية بلادهم تتحول إلى ساحة للحرب,لذلك عمدوا في الاشهر الاخيرة إلى مد أياديهم إلى ايران ودعوها لحضور قمة مجلس التعاون الخليجي,واعربوا عن حفاوتهم بالرئيس احمدي نجاد إبان قدومه للحج.على الرغم مما يبذله بوش من جهود للتحريض ضد ايران ,فإني أشك بأن المعنيين بالأمر سيستجيبون لرغباته.