تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


سليم صبري : اخترت الفن على دراسة القانون في جنيف

تجارب شخصية
الاثنين 28/1/2008
براء الاحمد

كان ما ان ينتهي من إشباع رغباته بهواية فنية لا يلبث وينتقل الى الاخرى وبحماس اكبر وهو في السنين الاولى من طفولته فمن تقليد الممثلين الذين كان يشاهدهم اثناء العروض التي كانت تقدم ايام العيد الى نحت اصابع الحوار التي كان يخفيها تحت المقعد حتى لا تراه المعلمة وممارسة هواية الرسم

وهكذا الى ان تكشفت لديه رؤى المسرح في عمر السادسة عشرة ويقدم اول مسرحية بالتعاون مع رفاقه‏

وفي المرحلة الجامعية قدم مسرحية اخرى ثبتت قدمه على خشبة المسرح نال الميدالية الذهبية التي كانت السبب لذهابه إلى المسرح القومي كمحترف وعرض عليه ان يكون عضوا فيه براتب 240 ل.س وهو حالة استثنائية.‏

- احترف الفن رغم ان والده الذي كان طبيبا وضع امامه خيار السفر لدراسة القانون الدولي ولكنه اختار الفن الذي كان طريقه صعبا وهذا المنعطف الرئيسي في مسيرة حياته الفنية والمهنية اذ تغلبت الموهبة على كل مغريات السفر والدراسة.‏

- وعرف كمخرج و ممثل في المسرح والتلفزيون انه الفنان سليم صبري الذي حدثنا عن محطات حياته الهامة:‏

محطات من الذاكرة‏

لا انسى ارض ديار البيت الذي ولدت فيه والكائن في الجادات العليا من جبل المهاجرين فهي عريضة اكثر من الخيال ممتدة كأنها سطح الشام الذي لا ينتهي الا بمعالم غير واضحة للغوطة التي ترسم اشكالا عجيبة عند التقائها بالافق ويرتبط هذا بذاكرتي مع دراجتي الحمراء التي كنت ادور عليها حول البحرة وبين احواض الزرع وتحت عرائش الياسمين وكان عمري ثلاث سنوات تقريبا وكنت اصعد الدرج الخشبي الى الطابق العلوي كل صباح لاصل الى الصالون العلوي الذي كان لي فيه هواية تشغيل الفوتوغراف لينطلق صوت عبد الوهاب.‏

قلدت الممثلين وعمري اربع سنوات‏

كان والدي طبيبا وبحكم عمله الطويل كان ابو سعيد يهتم باخراجي الى مشاوير خارج البيت وفي احدى احتفالات العيد ادخلني الى مسرح التشخيص لاتفرج ونخرج فورا ولكني تعلقت بالكرسي ولم اعد اسمع شيئا من حولي سوى الممثلين وبقيت حتى انتهى العرض وعند عودتي الى البيت رحت اعيد اقوال الممثلين وحركاتهم وعمري اربع سنوات وقد ذكرتني امي بتلك الحادثة عندما علمت بعملي في المسرح فيما بعد.‏

وفي الصف الثالث الابتدائي اصبح شغلي الشاغل في المدرسة اخذ اصابع الحوار اثناء الفرصة ونحتها الى اشكال عجيبة استعملت لذلك المخرز الذي تستعمله والدتي لصنع المفارش المطرزة وكانت يدي تعمل داخل الدرج محاولا الاستماع الى المعلمة التي تدور في الصف الى ان كشف امري واخذتني الى المدير مع منحوتاتي الصغيرة التي ملأت الدرج والاوراق الملونة التي رسمتها وتم استدعاء والدي . وبعد يومين جاء والدي الى البيت حاملا صندوقا كبيرا وقال لي هذا عقوبة لك ولكن عندما فتحته انفجر في وجهي حلم لم ادركه انها مجموعة هائلة من الالوان المائية والزيتية والخشبية واصبح لي ركني وعالمي الخاص وبقيت اطير في هذا العالم حتى السادسة عشرة وانصرفت الى هواية اخرى.‏

كان المسرح وسيلتي للتعبير‏

وفي عام 1956 كانت السياسة تأخذ الكثير من عقولنا والحرب تصرخ في وجوهنا جميعا لان نصنع شيئا وكنت ابحث من خلال التداعيات السياسية الى وسيلة للتعبير بالفعل او القول دون ان يكون عندي اي رغبة للدخول في اي تيار حزبي لكي لا اكون بجهة ورفاقي في جهة اخرى وبدأت رؤى المسرح تدور في مخيلتي فهي افضل وسيلة للتعبير وكنت وصديقي بسام ابو غزالة نجلس لساعات طويلة نستمع الى الموسيقا ونناقش حكاية المسرح الذي كان حلما لانعرف عنه. وبدأنا البحث في المكتبات وقرأنا ماوصل الينا من مكتبة النادي المصري المركز الثقافي العربي حاليا من مسرحيات مترجمة وشاهدنا مسرحيات كانت تعرض في تلك الايام من المسارح الشعبية او بعدها جاء القرار بأن نصنع مانريد دون الاعتماد على احد وبدأنا بكتابة اول مسرحية لنا (قسما بالدماء).‏

مرحلة التنفيذ‏

وفي هذه المرحلة جمعنا رفاق الحارة الذين يريدون التمثيل وعملنا البروفات الى ان جاءت مشكلة العرض وهل سيكون على رصيف الشارع ولكن طلبنا من مدير النادي المصري ان نقدم العرض من النادي لكنه اندهش ولم يصدق ما قلناه له ولا سيما عندما علم بأن عمرنا 16سنة, وطلبنا منه أن يجربنا ووافق بشرط أن ننشىء نحن المسرح لأنه لا يوجد في النادي مسرح, فقلنا له نحن ننشء مسرحاً كاملاً مع الاضاءة ومع الستائر والديكور وخرجنا ونحن لا نصدق ذلك مع ادراكنا ان الوعود التي قدمنا كبيرة جداً, ولكن قمنا بكل شيء وتمت طباعة المسرحية وحصلنا على الموافقة على النص من وزارة العمل يومها, وعلى اقامة العرض المسرحي من الداخلية وطبعنا البطاقات وبدأنا بيعها في منازلنا نبدأ كل صباح من الاحياء القريبة من شارع أبو رمانة ونطرق الابواب مدعين اننا نقدم مسرحية جادة وأخرى فكاهية بسعر(3-5) ليرات, وكثيراً كانوا لا يفهمون قصدنا ويقدمون لنا بعض الملابس القديمة ورغم ذلك نفدت البطاقات وجهزنا المسرح واتفقنا مع نجار بناء , وقام زميل لنا باختراع ما يسمى( البر وجاتورات) الاضاءة من طاسات حديدية.. ويوم العرض دخلت العائلات الى النادي متطلعة الى هذا المسرح الجديد وأصوات قلوبنا كان يمكن سماعها حينها ولكن غطتها موسيقا الافتتاح التي بدأت وقدمنا العرض دون هفوات وبعد انتهائه بقينا دقائق طويلة دون حركة ننظر في وجوه بعضنا, ولكن صوت مدير النادي قطع علينا صمتنا هذا بقوله أنا مش مصدق الي عملتوه يا أولاد.‏

وكان لهذا التشجيع أهمية كبيرة وأصبح مسرح النادي تحت تصرفنا وبعدها أنشانأ فرقة اسميناها المسرح القومي وكنا نعد المسرحيات ونقدمها على مسرح النادي وتعرفنا من خلاله على فنانين محترفين امثال صبري عباد .‏

رحلة مصر‏

بعد صدور نتائج البكالوريا, كنت واثقاً من نجاحي وكان والدي يريدني أن أدرس الحقوق فهي صالحة لكل زمان ومكان حسب رأيه, ولكن طموحي كان باتجاه التمثيل, لذا اخترت الذهاب الى معهد التمثيل في مصر ووافق والدي على هذا مسايرة لرغبتي فاتفقت مع زميلي في الكفاح الدرامي بسام للسفر.. وذهبنا الى مصر بلد الازدحام وفي اليوم التالي من وصولنا تعرفنا على المواصلات واتجهنا الى معهد التمثيل, وكانت المفاجأة بأن المعهد أبعد ما يكون عن احلامنا فهو عبارة عن طابق واحد بقاعات متلاصقة لا يوحي لأي نوع من أنواع الفنون والدوام فيه نصفي ورأينا هناك أحد معالم التمثيل عبد الوارث عشر كان يدرس مادة الالقاء.‏

لم أقتنع اني سوف امضي هنا وقتا طويلاً لأستفيد ... واضيف الى معلوماتي الكثير لذا قررت العودة وطلبت من والدي أن يسجلني في كلية الحقوق وكان هذا في بداية الفصل الدراسية لعام .1960‏

في جامعة دمشق‏

وفي الجامعة أول عمل قمنا به الاتجاه الى النشاط الطلابي وطلبنا من المسؤول عن شؤون الطلاب أن يسمح لنا بانشاء فرقة مسرحية ووافق على اقتراحنا بالاتفاق مع مخرج محترف كان قد وصل الى المسرح القومي الذي انشىء حديثاً واول عمل مسرحي قمت به في الجامعة هو مسرحية بيت الدمية قمت بدور البطولة الرجالية ونجحت المسرحية كثيراً وكتب عنها الصحفي جان الكسان وأدى هذا النجاح الى أن تشترك بها الجامعة في مهرجان شباب الجامعات, وفازت المسرحية بالدرجة الأولى ونلت أنا أيضاً شخصياً الميدالية الذهبية وكانت السبب الذي لفت انتباه المسؤولين بالمسرح القومي الى هذا الممثل الذي ظهر فجأة وقام السيد مدير المسارح نجاة قصاب حسن وقتها بدعوتي الى مكتبه وعرض علي أن أكون عضواً في المسرح براتب وصل 240 ل.س وهو حالة استثنائية.‏

لحظة اختيار لا أنساها‏

الاختيار كان صعباً وشكل نقطة تحول في حياتي بأن اختار المسرح القومي ولا سيما عندما قال لي والدي أنا ليس لدي مانع بدخولك عالم الفن, ولكن عليك أن تعي إنك عندما تسجل اسمك بالمسرح يعني انك احترفت,وأنت تدرس الحقوق وامامك خيارات إما أن تصبح مستشاراً قانونياً دولياً, لانني ارغب في ارسالك الى جنيف لدراسة القانون الدولي, وإما أن تصبح فناناً وتبقى فناناً وقدرك بين يديك وقد تأخذ دورك وقد لا تأخذه.. وكان هذا الكلام له الاثر الكبير والقرار يحتاج الى خطوة جريئة.‏

ولكن بالطبع كان الفن اختياري فالدراسة الجامعية كانت بالنسبة لي ثقافة فقط وليست كمهنة, وهنا احترفت,وكان هذا المنعطف الرئيسي في مسيرتي الفنية وتغلبت الموهبة.‏

أما الاثر الكبير في مسيرتي الشخصية كان لقائي بزوجتي الفنانة ثناء دبسي التي كانت زميلة لي بالمهنة في المسرح القومي ومن الناضجات.. ,والمتميزات فيه, حيث توطدت علاقتي بها من الناحية المهنية والعاطفية التي تكللت بالزواج‏

أثر الفن على أولادي‏

كان للفن الاثر الكبير على أولادنا, وليست ابنتي يارا وحدها التي احبت الفن وانما أختها الاكبر كانت تحب التمثيل كثيراً ولكن كنا نرى طريق الفن صعباً جداً فوجهناها الى الموسيقا وبعدها درست اللغة الفرنسية, أما يارا فكانت الأصغر والاكثر اصراراً لدخول هذا العالم ولكن كانت شروط والدتها أن تأخذ البكالوريا وتدرس في المعهد, وبالفعل حققت ذلك, وسمحنا لها بالتجربة الاولى في مسلسل كنت أنا مخرجه وكان شرطنا أن تنجح به وبعده لا بأس أن تكمل في هذا المجال, ونجحت وكانت متألقة وشقت طريقها بوعي وثقة.‏

أما ابني ثائر كانت ميوله موسيقية حيث درس بالمعهد العالي للموسيقا وكانت آلة الغيتار اختياره.‏

خطواتي كلها مدروسة‏

كنت لا أقدم على خطوة إلا إذا كانت مدروسة بشكل جيد, ولأني أصبحت ممثلاً في المسرح القومي كنت أصر على التأسيس الصحيح لأصبح ممثلاً له قيمة لم يأتِ من فراغ, وبدون شك كنت وزوجتي من منطلق واحد وافكارنا مشتركة, وهذا ساعدني لأن أبقى في هذه البوتقة من الجدية بمعالجة كل المواضيع والأمور, وبحكم التجربة دفعني هذا الشيء لأن أكون مخرجاً في المسرح القومي.‏

وهذه الخطوة دفعتني لأرشح نفسي للتلفزيون بعد أن أمضيت ثمان سنوات من الاحتراف في المسرح وانتقلت في 1968 للعمل به كمخرج وممثل وقمت بإخراج اول مسلسل لي شخصياته ثابتة وحلقاته متحولة وبعده أخرجت العديد من السهرات والمسلسلات ولم أنقطع عن المسرح.‏

ممثلو اليوم يعملون بجدية‏

وأرى شبابا اليوم يأخذون التمثيل والعمل الفني بجدية مطلقة ومسؤولية, وأصر على كلمة مسؤولية وأعتقد أن الذي لا يأخذه بهذه الطريقة هو مستهتر ولا يحقق النجاح ولا التقدير وأرى أن أحد أسباب نجاح الدراما السورية في الوطن العربي هو أن الفنانين الجدد قد تربوا على هذه الاخلاق الجدية والمسؤولية, لأن المخرج لا يستطيع تقويم اداء الممثل, ويستطيع الممثل أن يخدع المخرج بأداء جميل وهو يؤدي شيئاً قبيحاً ولكن بالوعي والمسؤولية يستطيع ايصال الشخصية الايجابية حتى لو كانت بقالب سلبي وهذا ينطبق على الإخراج أكثر من التمثيل‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية