|
زواج خارج القيود...ونساء قبلن العيش في الظل مجتمع فزواج يتم برضا الأهل, وبرضا الطرفين, لكنه سري لأسباب خاصة, وقصة حب طويلة يواجهها الرفض الاجتماعي, فيكللها الزواج العرفي, أو المساكنة, وزوج يبحث عن زوجة ثانية بعيداً عن الإشهار ووجع الرأس, وفتاة تبحث عن الاستقرار النفسي والعاطفي, والكثير من الظروف الاجتماعية أو المادية. فحيوية هذا الموضوع تأتي من الأسباب التي أدت إلى ظهور هذه الزيجات, ومن آثارها على الأسرة والمجتمع والأطفال الذين يأتون كثمرة لهذا الزواج أو ذاك, ثم من الوضع القانوني ومدى امكانية حصول المرأة على حقوقها الزوجية. الواقع يحمل الكثير وأسئلة كثيرة يمكن أن تندرج تحت هذه العناوين, حاولنا الإجابة عليها قدر الإمكان. من الحالات الكثيرة التي تعرفنا عليها عن قرب نذكر: فتاة تزوجت من ابن عمها بمعرفة الأهل ومباركتهم لهذا الزواج الذي أخذ طابع (كتاب براني) لأن الزوج لم يكن يستطيع الحصول على تصريح للزواج, وبعد حدوث الحمل بعدة أشهر تخلى هذا الزوج عن ابنة عمه, ورفض تثبيت الزواج, كما رفض الاعتراف بالطفل الذي تحمله, وبعد الانشغال بالمحاكم لمدة سبع سنوات, كان والد الفتاة مجبراً على تسجيل الطفل باسمه حرصاً على شرعيته ووجوده في المجتمع. أما سمر, فهي فتاة جامعية وصلت إلى السنة الثالثة, ولا يزال والدها يضيق الحصار عليها في أسئلته وشكوكه, ولهذا السبب قالت إنها سترتبط بزميلها بشكل سري, بوجود شاهدين انتقاماً من أهلها. وفي بحث أجرته طالبة ماجستير حول مكاتب الزواج, تضمن العديد من الحالات لزواج تم بالسر, ومنها, أن أباً قام بتزويج ابنته لشخص يقطن بالخليج رغماً عنها, وبعد عام ونصف عادت الفتاة إلى منزل أهلها تحمل مبلغاً من المال ثمناً لشقة, مقابل هذا الزواج الذي رفض الزوج الاعتراف به أمام المجتمع وإشهاره, لكن هذه الفتاة بعد فترة تعرفت على شخص آخر وتزوجت منه بنفس الطريقة السرية لمدة ثلاثة أشهر, مقابل الحصول على سيارة, وحتى وقت لقائها في هذا البحث كانت قد سجلت خمس حالات زواج سرية. بين السرية والحقوق هذه الحالات وغيرها تضعنا أمام تساؤلات عديدة عن الآثار الاجتماعية الناجمة عن الزواج العرفي, وزواج المسيار, وزواج الأصدقاء وغيرها من الزيجات التي تتم بالظلام, ثم ما مدى تأثيرها على المرأة? الدكتورة هناء برقاوي أكدت أن هذه الأنواع من الزيجات هي ظاهرة خطيرة من شأنها هدم الكيان الرئيسي للأسرة, لأن الزواج الشرعي له غايات إنسانية ووظائف اجتماعية هامة, ومن أهم شروطه الإشهار والإعلان, ليكون وسيلة لتوثيق الصلات الاجتماعية. وهيهات بين الزواج المعلن عنه وبين الزواج السري الذي يصح عليه من وجهة نظري كل شيء إلا الزواج الشرعي الصحيح, فهو انتشار وترسيخ لأنماط علاقات يريد أصحابها شرعنتها رغم أنها ولدت في الظلام, لذلك فإن نتائجه السلبية تعود على الزوج والزوجة والأبناء والمجتمع ككل. ماذا تكسب الزوجة? فالزوجة التي ترضى بدافع الحب أو العنوسة أو الحاجة أن تكون زوجة سرية ستحرم من الحقوق التي يوفرها الزواج الصحيح, مثلاً, هي لا تستطيع الخروج برفقة الزوج أو مشاركته بالمناسبات الاجتماعية, ولا تستطيع اللجوء إلى الأهل في حال وقوع الخلاف بينهما, ولن تكون قادرة على الاعتراض على الانتهاكات الشرعية لحقوقها, ولا تستطيع الإعلان أمام الناس أنها زوجة فلان, ولن يتحقق لها مفهوم العشرة المتكاملة, وإن افتضح أمرها, فلن تستطيع اختيار زواجها الثاني بكامل حريتها. مخاطره على الأطفال إذا كانت هذه نتائجه على المرأة, فما آثاره على الأطفال الذين يأتون ثمرة لهذه الزيجات? وعن ذلك تقول الاختصاصية: إن مشكلة الأبناء هنا تنعكس على المجتمع, لأن وجود أبناء بالأساس هم شرعيون لكن عدم اعتراف الأب والمجتمع بهم, يدفعهم ليكونوا أولاداً غير شرعيين, فيهمشون في ظروف غير طبيعية, وفي زواج المسيار, صحيح أن الأولاد شرعيون وبظروف عادية, لكن عدم إحكام تربيتهم وتنشئتهم بوجود الأب والأم في منزل واحد يؤثر سلباً على تكوين شخصيتهم. أما الأمر الأكثر خطورة, فهو في تحول هذا الزوج إلى سوق للمتعة وتنقل الرجل أو المرأة من زواج إلى آخر, أو سوق لكسب المال. ظروف الشباب أم زيادة العنوسة والسؤال: من يلجأ إلى هذا الزوج, وما الأسباب الدافعة لوجوده? العديد من الأشخاص الذين سألناهم عن رأيهم في الأسباب,أكدوا أن هناك احتمالات تعود للعنوسة وزيادة نسبة المطلقات والأرامل وأصحاب الظروف الخاصة, رغبة بعض الرجال في الإعفاف والحصول على المتعة بطريقة الحلال,والأكثر أكد أنه تهرب من مسؤوليات الزواج. وبالعودة إلى الاختصاصية هناء برقاوي أكدت أن من يلجأ إلى هذا الزواج هو إما الشخص الغني هروباً من رتابة الحياة وإما الشاب الفقير الذي لا تسمح له ظروفه المادية القيام بزواج علني صحيح, وهو أيضاً موجود بين أوساط الطلبة الجامعيين لظروف مختلفة تتعلق بهم كطلاب, وأيضاً بين فئات الموظفين وخاصة لدى النساء العوانس كنوع من تحقيق الرضا النفسي. وقد يكون المجتمع هو أحد أسباب وجود هذه الأنواع للزواج, بما تفرضه بعض العادات والتقاليد والأسر من غلاء للمهور والتكاليف الباهظة للزواج التي لا يستطيع غالبية الشباب تأمينها اليوم, وبوجود الغلاء والبطالة وبوجود المظاهر الكثيرة التي ترتبط بالزيجات الدارجة الآن, إضافة إلى وجود قصص كثيرة يكون الأهل سبباً في وجودها. ماذا يقول القانون للنظر في الجوانب القانونية كان لنا لقاء مع المحامي أحمد سعيد رزق, دبلوم دراسات عليا في القانون الخاص الذي يبين أنواع الزواج حسب قوانيننا النافذة وهي: الزواج القانوني الذي تستكمل شروطه القانونية ويوافق عليه القاضي الشرعي ويتم توثيقه فيما يسمى صك الزواج, ثم الزواج العرفي, وهو كل زواج لم يتم تسجيله في وثائق المحاكم الشرعية,وهو يمكن أن يكون زواجاً صحيحاً كالزواج العادي, إذ يمكن لفريقيه تسجيله في المحكمة الشرعية وتحويله إلى زواج قانوني من خلال دعوى تعرف بتثبيت الزواج. وقد يكون زواجاً باطلاً عندما يكتب بين الرجل والمرأة ضمن ورقة ويقوم اثنان بالشهادة عليها, وهو باطل لأنه يفتقد للولي, وإجمالا يكون الزواج العرفي باطلاً شرعاً وقانوناً إذا افتقد أحد شروطه الشرعية, ففي الزواج العرفي غالباً ما تتولى المرأة تزويج نفسها بنفسها, وهذا غير جائز شرعاً. وهذا الزواج غالباً ما تدعو إليه ظروف معينة, لكنها مهما كانت فإنها لا تبرر عدم صحته. ولا شك أن السنوات الأخيرة حملت إلى الناس ما يسمونه (زواج المسيار), وهو زواج مستوف للشروط والأركان, لكن تتنازل الزوجة عن بعض حقوقها الشرعية باختيارها ورضاها مثل النفقة والمبيت عندها, وإذا عدنا إلى نص القانون وروحه, نجد أن للمرء أن يتنازل عن أي حق من حقوقه, وبالتالي هو زواج صحيح شرعاً ويمكن تسجيله في المحاكم الشرعية ما لم يتضمن شرطاً مانعاً, وما لم يكن فيه توقيت لانحلال عراه (أي توقيت الزواج) وهو هنا باطل شرعاً وقانوناً لأن الأصل في الزواج هو الدوام, والغرض منه التناسل والتربية وإعداد المجتمع الصالح. ويتابع الأستاذ رزق حديثه قائلاً: إن هناك أوجهاً للتشابه والاختلاف بين العرفي الشرعي والمسيار, فكلاهما يترتب عليه إباحة الاستمتاع بين الزوجين وإثبات النسب والتوارث, وكلاهما متشابهان من حيث أسباب ظهورهما بهذا الشكل (غلاء المهور - كثرة العوانس والمطلقات - خوف الرجل على كيان أسرته الأولى), ويختلفان في أن الزواج العرفي تترتب عليه جميع آثاره الشرعية بما فيها حق النفقة والمبيت, وهو ليس موجوداً في زواج المسيار. وهنا تجدر الإشارة إلى أن ما يظهر من تسميات عن زيجات أخرى (مساكنة - أصدقاء - متعة - طابع...وغيرها) فإنه لا يحمل وجود نفقة أو توارث أو سكن شرعي, ولا يحقق شرط الزواج وهو التأبيد والدوام, وهناك نية مسبقة للانفصال, ما يفقده حتى شرعيته, ويمكن أن يقال عنه إنه عرفي باطل. كلمة أخيرة وأخيراً كان من الضروري تسليط الضوء على الجوانب المهملة في هذا الموضوع لأن هذه الصورة من الزواج ليست المثلى لبناء المجتمع الصحيح ولا يستوفي شروط المصلحة العامة من التقارير الطبية الخالية من الأمراض, وبيان القيود المدنية للطرفين لاستقرار المعاملات بين الناس, إضافة إلى تأثيراته السلبية على البيئة الاجتماعية بشكل عام..ومع ذلك فهي زيجات موجودة وممكن أن تكون مقبولة في بعض الحالات.
|