فقبل الإعداد لتلك الرحلة المؤلمة فكرت وفاء ملياً وأيقنت أنها لن تستطيع حمل سوى بضعة أخبار عن الأهل والأقارب الذين غادرتهم أختها التوءم إلى بقعاتا في الجولان المحتل للزواح من شاب أحبته وأحبها وشهد على ذلك ياسمين دمشق أثناء فترة الدراسة في كلية الطب.
عفاف تلك الفتاة التي لم تصافح أزهار الجولان بعد ولم تتنشق عبير الأرض التي رواها الشهداء بدمائهم وهدأت من روعها زفرات أرواحهم ولم تدس قدماها الطريق المؤدي إلى البستان المجاور الذي اتفقت مع فارس أحلامها على بناء عش الزوجية فيه..لبت نداء أختها وفاء التي جاءت للاطمئنان على حالها ومباركة زواجها وحملت مكبر الصوت أسوة بأبناء وبنات ونساء وشيوخ القرية الذين جاؤوا أيضاً لتبادل التحيات مع ذويهم,, وبلهفة لا مثيل لها اخترقت الجموع وعيونها معلقة نحو المكان الذي تجمع فيه القادمون على الجهة المقابلة واختطفت صوت أختها الذي امتزج مع ما يشبهه من الأصوات المتعبة إلى آذان وأفئدة من أنهكتهم الغربة وانتظرت بصائرهم الفرح.
نعم اخترقت عفاف الجموع ولم تكن تتوقع أن تلك المرأة التي ودعتها عند خط الفصل يوم زفافها قبل خمسة عشر يوماً لم تحضر في ذلك اليوم الذي تلبدت فيه سماؤها بالحزن واستبدلت زرقتها وتربعت في مخيلتها صور مشبعة بالألوان القاتمة..!
وقبل أن تسأل توءم روحها عن حالها وما آلت إليه أحوال الأسرة بعد لمستها الأخيرة لشجرة التوت التي تطاولت أمام منزلهم وشربت من جدول أيام عاشتها وإخوتها ومع من أحبوها سألت عفاف عن تلك المرأة.. والدتها.. التي سبر خبر وفاتها طريقه إلى مسامعها عبر الألغام والحقد.. وهرعت لتخرق الشريط الفاصل ظناً منها أنها ستعانق أختها وتواسيها إلا أن القدر كان لها بالمرصاد وركض عندئذ زوجها الطبيب بسرعة البرق ليعيدها.. دخلت رجله الوادي وعادا محملين على أكتاف الحضور الذين بكوا العروسين وزغردوا لهما..!