وترى المستشرقة كاتارينا مومزن الاستاذة بجامعة ستانفورد الامريكية فى كتابها (غوته وبعض شعراء العصر الاسلامي) ان كثيرين يرون أبا الطيب المتنبى (915 - 965) أعظم شاعر عربى أو آخر الشعراء العرب العظام على أدنى تقدير وتشهد الاحتفالات التى أقيمت فى كل البلدان الناطقة بالعربية فى عام 1935 بمناسبة مرور ألف عام على ميلاده على مدى التقدير الذى يحظى به هذا الشاعر المبدع فى الفن الشعرى العربي... ديوانه من جملة النصوص التى اعتاد الناشئة على حفظها عن ظهر قلب كحفظهم للقرآن .
وقالت مومزن ان المتنبى كاد أن يكون نكرة بالنسبة للقارئ الاوروبى فى عصر غوته ولكنهم انتبهوا اليه بعد أن تحدث عنه غوته باعجاب واكبار فى (الديوان الغربي-الشرقي) فبعد سنوات نشرت ترجمة كاملة لديوان المتنبى ووصفه الناشر الالمانى فى العنوان بأنه أعظم شاعر عربى . وأشارت الى أن للمتنبى ظلالا فى بعض أعمال غوته ومنها مشهد فكاهى فى مسرحيته (مأساة فاوست) كما استوحى النبرة الغزلية فى قصيدته )السماح بالدخول( التى كتبها يوم 24 ابريل/نيسان 1820 من غزليات المتنبي.
وأوضحت أن جوته كان فى مرحلة مبكرة من تطوره الشعرى وانطلاقا من شخصيته الخارقة على وشك أن تغريه نفسه بادعاء النبوة... ولكن غوايته هذه لم تدم طويلا . وقالت ان ما وصفته بالمغزى الساخر الذى ينطوى عليه لقب (المتنبي) يتطابق مع معايشات جوته نفسه حين نأى بنفسه عن التورط فى ادعاء النبوة تحت سطوة دجالين سبقوه الى مثل هذا الادعاء ولكنه انسحب بسخرية واستهزاء من مأزق ادعاء النبوة . وذكرت أن قرار جوته بالاقتصار على كتابة الشعر كان واحدا من أهم القرارات التى اتخذها فى حياته. كان يتعامل مع تطلعاته للادعاء بأنه رسول مرسل بسرية تامة طيلة حياته. ولم تفصح هذه التطلعات عن نفسها فى نتاجه الشعري الا بالكاد وان صادف وكشفت عن نفسها فانها تتستر بالالغاز وتبدو على نحو غامض أو بروح ساخرة من النفس فهو يتقمص تارة شخصيات الانبياء وتارة أخرى شخصيات أسطورية تتسم بالنبوة.
وقالت المؤلفة فى مقدمة كتبتها للطبعة العربية ان هذه الترجمة تتيح للقراء العرب الوقوف على ما للعالم العربى من فضل على واحد من أعظم شعراء أوروبا ومفكريها ايمانا بالاخوة الانسانية. ان غوته (1749 - 1832) الذى أعجب بالعرب وأحبهم هو خير من يضرب به المثل للدلالة على مدى تفتح الطاقات الايجابية المبدعة اذا صادفتها الظروف الملائمة وتخطى الفرد حدود التفكير المحلى الضيق . وأضافت أن غوته كانت لديه فكرة عن (الأدب العالمي) الذى يرسى قواعد السلام بين البشر بالبحث عن المشترك الانسانى بين ثقافات الشعوب كما دعا الى تيسير طرق الاتصال بين هذه الثقافات من خلال انتاجها الادبى فتعميق التعارف بين الامم والشعوب يفضى الى تفاهم أفضل بل انه سيفضى الى التسامح على أدنى تقدير. امل فى أن تكون هذه الترجمة فرصة لان يكسب غوته صديق العرب أصدقاء عربا جددا .
ان المؤلفة بهذا الكتاب تثبت خطأ الاعتقاد بأن أعمال غوته النثرية والشعرية لم يعد فيها جديد يكتشفه الدارس حيث استطاعت من خلال دراستها العميقة المتأنية أن تفتح للمهتمين بأدب شاعر ألمانيا الاكبر بابا كانت قد تراكمت عليه أنقاض عقود طويلة . وقال ان جوته يعد رابع عظماء الادب الغربى الى جانب مؤلف (الالياذة) الشاعر الاغريقى هوميروس, ومؤلف )الكوميديا الالهية( الايطالى دانتي, والشاعر البريطانى وليام شكسبير.