تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


كتاب (اقتل .. اقتل) كشف لفظاعة الاحتلال الأميركي للعراق..... الجندي (جيمي ماسي) يفضح جرائم الحرب والمجازر المروعة

دراسات سياسية
الثلاثاء 6/12/2005م
ياسمينة صالح

الكتاب الذي أثار ويثير الكثير من الجدل في فرنسا, والذي لأول مرة لم يكن صادراً عن شخصية مدنية, بل كان بقلم جندي أميركي استطاع أن يكشف فظاعة ما يجري في العراق.

لم يكن ثمة أي شيء اسمه (الإدانة) للأميركيين, لأن قرار الحرب كان قد اتخذ قبل الغزو بأعوام, بحيث إن أمن إسرائيل هو الذي يشكل في الأول والأخير نطاق المصالح الأميركية انطلاقاً من الرؤية السياسية والدينية التي ينطلق منها المحافظون الجدد.. (جيمي ماسي) هو الجندي الذي يعترف أنه كان ضمن الفرقة السابعة للقوات البحرية الأميركية التي دخلت إلى العراق (منتصرة) بعد أن سرب البنتاغون إلى الجنود الأميركيين خبر أن الحرب سوف تنتهي.. لقد استطاعت أجهزة الاستخبارات العسكرية أن تتسلل إلى العراقيين أنفسهم.‏

العراق هو الذي كان للأميركيين الهدف الأساسي في الحرب التي تبدأ في منطقة الشرق الأوسط, ليس لأسباب نفطية فحسب, وإن كان النفط قد لعب الدور الأساسي والأخطر, بل لأسباب استراتيجية محضة, جعلت الأميركيين يراهنون على العراق إلى أبعد حد, وعلى (العملاء) العراقيين بينما كانت الضحية الكبيرة الشعب العراقي الذي دفع الثمن مرتين, مرة أيام كان صدام يمارس نظامه البوليسي عليهم ومرة أخرى حين غزته الجيوش الأميركية لإهانته باسم الديمقراطية التي تعرت في سجون أبي غريب.‏

كتاب (اقتل.. اقتل) الذي ألف الجندي الأميركي (جيمي ماسي) صدر في طبعته الجديدة عن منشورات (بناما) الفرنسية. وقد صدم الرأي العام الفرنسي والأوروبي, لأنه لم يكن من تأليف شخص مدني, أو كاره للحرب, بل كان من تأليف جندي عمل طوال 18 سنة في خدمة الجيش الأميركي, طائعاً لأوامر رؤسائه في القتل والترويع, بحيث إن مهمة الجندي كما يقول (جيمي ماسي) لم تكن تعني بأي حال من الأحوال الدفاع عن شرف الأمة الأميركية (...), بل النيل من شرف الأمم الأخرى.. (يقول المؤلف): لقد تلقينا في المدارس العسكرية الأميركية دروساً عسكرية تدخل في إطار ما يمكن تسميته بمبدأ الدفاع عن بلدك والذود عنه بكل ما أوتيت من قوة وإمكانيات, قالوا لنا (اسمعوا, أنتم تنتمون إلى الجيش الأميركي, القوة العظمى التي تقهر ولا قوة فوقها, ولهذا عليكم أن تضعوا في الحسبان أنكم تحملون في دمكم ميزة أنكم من أميركا وأنكم الأقوى والأقوى.. (كانت تلك الدروس التي نتلقاها يومياً إلى درجة صار من الصعب علينا أن نستوعب أن ثمة من هو أفضل منا, وجعلنا نرى بقية كائنات الأرض أقل منا بكثير, مجرد صراصير تمشي على هذه الأرض..) بهذه الكلمات, يتطرق الجندي الأميركي (جيمي ماسي) إلى الفكرة العسكرية وفق المنظومة الحربية الأميركية والتي بدأت على أساس إخضاع عقول الجنود إلى تلك الفكرة المركزية والتي كانت في الحقيقة تمارسها ألمانيا النازية في إفهام جنودها أنهم ينتمون إلى جنس مختلف وأن بقية الأجناس تحت نعال أحذيتهم العسكرية الثقيلة.‏

النازية التي ارتبطت بالحرب العالمية الثانية هي التي تحولت مع الوقت إلى صورة أخرى من صور الإسقاطات السياسية من منظور ما صار يمارس ضد المستضعفين لأجل إجبارهم على الخضوع ولو باستعمال القوة المباشرة ضدهم.‏

ولعله لهذا السبب تحديدا (استعانت الولايات الأميركية بالخبرة الإسرائيلية) كما يورد (جيمي ماسي) في فصل آخر من فصول قصته في العراق.. لقد تم الكشف في سنة 2004 عن حضور إسرائيلي مكثف داخل العراق, وهو الحضور الذي لم تكذبه إسرائيل ولا إدارة الحرب الأميركية, مستفيدة من كل الفوضى الحاصلة لتمرير رسائل غامضة إلى كل الجهات بأن حضور إسرائيل في العراق لن يكون خطراً على العراقيين فقط, بل وعلى بقية الدول (المارقة) حسب المصطلح الذي يستعمله البنتاغون للتعبير عن الدول (الخارجة عن القانون الأميركي!).‏

يحكي (جيمي ماسي) عن هذه النقطة في كتابه قائلاً: (حين استوعبنا أن ثمة ضباطاً عسكريين إسرائيليين في العراق, فهمنا أن الحرب ستكون طويلة, فبعد أشهر من الغزو بدأت المقاومة العراقية تتبلور وفق استراتيجية أخرى لم يكن البنتاغون يحسب لها أي حساب. في تلك المرة كانت المقاومة مشهداً آخر لا يمكن بأي حال من الأحوال القول إنها تدافع عن صدام حسين, بل كانت تدافع عن العراق.‏

من هنا, عندما سمعنا بوجود عدد من كبار الضباط الإسرائيليين في العراق, فهمنا اللعبة. إسرائيل التي تمارس عبثية مقاومة الانتفاضة الفلسطينية متعودة على هذا النوع من الحرب وعلى مواجهة ما يسمى بالعصيان الشعبي, ومعنى هذا ببساطة أننا قد نتلقى الأوامر من الجنود الإسرائيليين الذين كانوا يلبسون لباسنا العسكري, وهذا بالتحديد ما كنا غير قادرين على تقبله! لأننا درسنا طوال سنوات أن القوة العظمى هي القوة الأمريكية المطلقة, فكيف يمكننا القبول بأخذ أوامرنا من جنود إسرائيليين?!).‏

بداية التحول‏

لقد بدأ التحول والغضب حين أخذت الحرب مسار الإبادة المعلنة. كانت الأوامر الآتية من الإدارة العسكرية العليا واضحة وصارمة: إطلاق النار على كل ما يتحرك. والحال أن ذلك كان يعني إبادة الأطفال والنساء والشيوخ بغير ذنب.. يعترف (ماسي) أنه شارك في العديد من العمليات العسكرية وحالات المطاردة ضد رجال المقاومة العراقية, يحكي عن هذا الجانب فيما تبقى من كتابه (القنبلة) قائلاً: في شهر ونصف من العمليات والمطاردات, قتلت مجموعتنا أكثر من ثلاثين مدنياً عراقياً من بينهم أطفال. كان الأمر مهولاً عندي وزملائي. كنا خائفين من نيران المقاومة في مناطق صعبة في ضواحي بغداد وفي مدن أخرى مثل الفلوجة وبعقوبة.. ولهذا كانت الأوامر التي تكررت لنا تتجسد في إطلاق النار على كل ما يتحرك, واكتشفنا أننا أطلقنا النار على أطفال أيضاً.. كنا نمارس القتل العمد, وكانت الأوامر المستمرة التي تصلنا هي مزيد من القتل.. اقتل.. اقتل.. إلى درجة فقدنا فيها إنسانيتنا تماماً!).‏

يضيف قائلاً: (تبقت لي سبعة أعوام لأحصل على تقاعدي من الجيش وهو الذي سيسمح لي بالعيش وفق ما سيدفعونه لي راتب تقاعد عسكري, ولكن رفضت أن استمر.. لقد رفضت أن أواصل القتل والترويع. فقررت الهرب....) لم يكن الهرب الذي يعنيه سوى ابتعاد أدى في الأخير إلى اعتقاله بتهمة عصيان الأوامر, وترحيله إلى الولايات المتحدة للمحاكمة.‏

كان في نظر رؤسائه خطراً كبيراً لأنه بدأ يتكلم وبدأ يرفض ويناقش الأوامر التي كانت تأتيه من القيادة. كان يثير الجنود كي يرفضوا إطلاق النار عشوائياً على المدنيين ما جعل القيادة تختار بين أن تلقي عليه القبض وإدانته بتهمة عصيان الأوامر (وهي التهمة الجاهزة) أو تصفيته تحت غطاء إعلامي, أي اختطافه وربط عملية الاختطاف بجماعة من رجال المقاومة وبالتالي إعدامه بشكل (مسرحي) كما حدث مع العديد غيره ممن كانت القيادة العسكرية الأميركية تدين (تعاطفهم) مع المدنيين العراقيين وتتهمهم بأنهم (يعارضون الأوامر), كما كان حال النقيب (توني بريتان) الذي قيل إن (جماعة من جماعات المقاومة العراقية اختطفته وأعدمته) في الوقت الذي أعلنت فيه عائلته أن القيادة العسكرية الأميركية من قامت بعملية تصفيته لأن (توني بريتان) كان يعارض بشدة قتل المدنيين ويعارض الحرب القذرة في العراق عموماً.‏

في سياق عرضنا لكتاب (اقتل.. اقتل) الذي ألفه الجندي الأميركي (جيمي ماسي) من الفرقة السابعة للبحرية الأميركية التي في العراق, نشرت جريدة (لومانيتي الفرنسية) حواراً استثنائياً معه أجرته الصحفية الفرنسية (فوستين فانسون), رد فيه على أسئلة أظهرت بشكل واضح كل البشاعة التي يلخصها الكتاب على شكل مشاهد واقعية في العراق.. ولأهمية الحوار ترجمناه ضمن هذا العرض لأجل أن يطلع عليه الجميع كحقيقة لم تعد بحاجة إلى الجدال باعتبارها صادرة من فم أميركي شارك في إبادة العراقيين الأبرياء.‏

* نعم, ما حدث في العراق جريمة حرب:‏

- ما الهدف من تأليف كتاب (اقتل.. اقتل.. اقتل)?‏

جيمي ماسي: أردت أن ألفت أنظار العالم كله إلى فظاعة الجرائم المرتكبة ضد الشعب العراقي. أردت أن أتصالح مع نفسي, فقد بقيت في العراق منذ بداية الحرب عام .2003 ذهبت إلى العراق بإحساس جندي ذاهب للقيام بواجب مساعدة العراقيين, لكنني اكتشفت بشاعة الحرب حين رأيت بأم عيني طريقة القتل ضد الأبرياء وأننا هناك في العراق للدفاع عن البترول.‏

- في كتابك تكلمت عن جرائم الحرب التي ارتكبها الأميركيون في العراق..?‏

جيمي ماسي: إنه التعبير الذي يجب استعماله. فهي جرائم الحرب. لقد تلقينا تقريراً وصل من مصالح الاستخبارات السرية يقول لنا إن كل العراقيين إرهابيون حين اطلعنا على ذلك التقرير صار العديد منا في حالة من العصبية والتوتر, فصاروا يطلقون النار أمام كل ما يتحرك. إنها جرائم الحرب, لأن الذين قتلوا لم يكن أحد منهم يحمل السلاح, كان بعضهم من الأطفال ومن النساء والشيوخ والمرضى العاجزين عن الحركة, لقد كانت إبادات حقيقية مروعة ضدهم.‏

- في تلك الفترة قررت ترك العمل في الجيش?‏

جيمي ماسي: لقد عانيت كثيراً وصرت قريباً من الانهيار العصبي. في شهر كانون الثاني ,2003 كانت فرصتي في التخلص من (عار) الجيش والعودة إلى الحالة المدنية, وإن كان رؤسائي قد قرروا إدانتي بتهمة العصيان والهرب من أداء الواجب. لكنني سعيد أنني عصيت (أوامر) القتل العمد لسنوات أخرى.‏

- كيف كانت ردة فعل زملائك في الجيش?‏

جيمي ماسي: هناك العديد من الجنوب يقاومون الانهيار العصبي. الجنود الأميركيون في حالة إحباط كبيرة وبعضهم يعرف جيداً أنه يمارس القتل العمد ولا يقدر على (عصيان) الأوامر. لكن حين قررت أن أنسحب تفهم بعض زملائي الأمر وحاولوا مساعدتي كي لا أحاكم بجريمة (التهرب من القيام بواجب عسكري أثناء الحرب) وهي جريمة قد يكون عقابها السجن لسنوات طويلة في أميركا. جيشنا يعيش حالة إحباط في العراق برغم كل الإمكانيات التكنولوجية التي بحوزته, ولهذا حدثت حالات الانتحار في وسط جنود أميركيين كما حدثت حالات الانهيار العصبي المزمنة. أنا سمعت أنه بعد كارثة إعصار كاترينا تسعى القيادة العليا للجيش إلى استقطاب وإرسال شباب آخرين إلى العراق فقدوا كل ما لديهم في تلك الكارثة, وأتوقع أنهم سيعرفون ما عرفناه من الترويع والإحباط.‏

- هل تشعر أنك مهدد بعد أن نشرت ذلك الكتاب المثير للجدل في فرنسا وأوروبا والعالم?‏

جيمي ماسي: أنا قلت الحقيقة. ما جاء في كتابي كان الحقيقة التي أردت أن يعرفها العالم كله. لست خائفاً بعد أن أرحت ضميري وقلت ما كان علي قوله. أشعر الآن أنني سأستطيع النوم ولا يهمني رد فعل الجيش الأميركي لأنني لم أؤلف رواية, بل كتبت كتاباً عرضت فيه كل ما عشناه ورأيناه في العراق, وقلت بصريح العبارة: إن الولايات المتحدة الأميركية لا تنشر الديمقراطية ولا الحرية في العراق بل تنشر الموت والإبادة وتمارس سياسة القتل العمد دون أن تكترث لصوت الضمير الإنساني. هذه هي الحقيقة التي أنا مستعد أن أموت لأجل أن يسمعها العالم كله.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية