تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


عري السياسة وحياء الكلمات

دراسات سياسية
الثلاثاء 6/12/2005م
محمد إبراهيم حمدان

هل بين السياسة والطبيعة من علاقة في العري والتعري ?!

ربما.. لكن من شرف الطبيعة انها تتعرى مرة في الخريف من كل عام دون أن تتخلى عن مقومات حيائها وحياتها.. بينما تتغنى السياسة في التحلل العاري من القيم والمقومات على امتداد الفصول وربما الساعات.. فهل كل ذلك بفعل خريف الزمن أم بفعل خرف السياسة وخرافها ?!‏

كل شيء يتعرى .. المبادئ والمواقف والأخلاق والمشاعر والظواهر والمظاهر وعلى امتداد هذا العري المفضوح يصرون على أن ترتدي كلماتنا ثوب الحياء !!‏

أي حياء أمام هذه الغابة من العري المخزي والرهان الحاقد على الأرض والسماء وعلى الأموات والأحياء?!‏

اي حياء في تصديق الكاذبين وتكذيب الصادقين والاقتداء بالضالين والمضلين?!‏

اي حياء مع شهود الزور وتجار الاوطان والانسان في اسواق الشهوات والنزوات واقبية السفارات ?!‏

أي حياء في مباركة الأدعياء من أبناء الوباء الذين نذروا أنفسهم لكل شيء ماعدا الحق والحقيقة?!‏

هل غادروا صغيرة او كبيرة لم يرتكبوها ?! وهل وفروا دناءة او بذاءة لم يتقولوها دون وازع او رادع من خلق او ضمير ?!‏

أي حياء مع عصابات الالتواء والالتفاف والاحتراف والاقتراف بحق البراءة والأبرياء وهم يعلمون ذلك علم اليقين ?!‏

فوالذي علم الإنسان مالم يعلم انهم ليعلمون براءة سورية من دم الحريري ومن الجرائم التي توالت لاقتلاع سورية من لبنان وانتزاع العلاقات المميزة بينهما وتمزيق جبهة الممانعة اللذان يشكلان رأس حربتها في مواجهة الجريمة الكبرى على قيم العروبة ورسالة الحضارة في أمة الأبجدية والرسالات .‏

وانهم ليعلمون حتى تفاصيل الجريمة وتاريخها وأدواتها والآمرين بها وبالمتآمرين من خلالها على الأمة باسم الحق والحقيقة التي لم يكونوا يوما معها ولا منها ولا إليها بالرغم من دموع التماسيح وتمسيح الدموع ,فمن كان مع شارون لم يكن مع الحريري ولن يكون .‏

أي حياء في أن نشير إلى الخطيئة باسمها بعدما أفصحت عن ذاتها وكشفت أبعادها بحصار شعب وإسقاط قضية وإلغاء هوية وإرسال أمة بكاملها إلى جحيم العدوان المتجلي بأبشع صوره عبر التاريخ من فلسطين إلى العراق إلى أفغانستان ?!‏

إن الأمور بمعطياتها وتداعياتها لم تعد تحتمل التأويل والتحليل والتعليل, فالموقف القومي لسورية مطلوب وموقعها الممانع مستهدف وما اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه سوى إشارة البدء للزحف المتصهين واستعادة المنطقة إلى حظيرة (سايكس- بيكو) تحت مسميات جديدة وأدوار متجددة. فإن جهلوا فتلك مصيبة كبرى وإن تجاهلوا فهذا دليل قاطع على التورط الحقيقي في مؤامرة الاغتيال والاحتلال.‏

إن الأمة بأمس الحاجة إلى التماسك في هذا الظرف الاستثنائي لمواجهة العدوان السافر عليها اكثر من حاجتها إلى التماحك المأجور في احسن الأحوال للتبرير والتزوير والتشفي الحاقد دون دليل واقعي أو محاكمة مسؤولة .‏

وهنا ستحضر واقعة مشهودة في تاريخ هذه الأمة ترسخ أخلاق الانتماء إليها عندما بدأ الرومان بالتحضير لغزو ارض العروبة والإسلام بينما كان القوم منهمكين في الحروب والفتن وعندما بلغ الخبر عليا قال مقولته الشهيرة (والله لو فعلها بنو الأصفر لوضعت يدي في يد معاوية) وهو يعني وحدة الأمة في مواجهة الأخطار والعدوان وتقديم الكل على الجزء والاهم على المهم .‏

وما اشبه اليوم بالأمس وكأنما قدر التاريخ أن يعيد نفسه في مدارات الشعوب المحكومة بالتخلف والانحدار. فما بين الحضارة وادعائها مسافة تتجاوز الشكل إلى المضمون. وما يتقوله البعض أبعد ما يكون عن حضارة الصدق ومصداقية الحضارة وفي ذلك البلاء الأكبر لأمة تزل بها الأقدام وتهافت الأقلام على فتات الموائد من دم الأوطان والإنسان دون الاكتراث بالنتائج والعواقب .‏

إن من حق سورية انطلاقا من حقيقة براءتها أن تدافع عن ذاتها ووجودها وشعبها ومن حق الجميع أن تنكشف حقائق الأشياء في اغتيال الحريري ورفاقه ولكن هل تقود المؤشرات إلى هذا الاتجاه ?!‏

إن السياسة الذرائعية التي يرزح العالم تحت وطأة مصالحها تفرض قراءة موضوعية للأحداث من خلال نتائجها وتداعياتها ومن هنا فإن الأمور تسير في الاتجاه المعاكس للحق والحقيقة .‏

فالجريمة وفق آخر المعطيات هي في الموقف استهداف الموقف السوري وليس في اغتيال الحريري على ما في هذا الاغتيال من جريمة منكرة استهدفت سورية قبل لبنان واستفاد منها أعداء الحريري قبل أهله وأصدقائه وعلى حسابهم بالتأكيد .‏

ولا شك أن الجريمة عمل عدواني سافر وفي تسويقها وتلفيق أدواتها مشاركة ومباركة لهذا النهج العدواني الذي لن يحقق في النهاية للسائرين في فلكه والمتهالكين على استغلاله سوى رجم الشعوب ولعنة التاريخ .‏

ومن هنا فإن على العالم المتحضر أن يكشف الأوراق وعلى لبنان أن يتحرر من الأبواق وعلى آل الحريري أولا وأخيرا أن يبحثوا عن أشلاء الجريمة في انكسارات الدموع المزايدة والشعارات الفاقدة لأبسط مقومات الصدق والمصداقية في الشكل والمضمون معا .‏

وعلى الجميع أن يتذكروا أن ما قدمته سورية للأمة وقضاياها من تضحيات كبرى بمشاركة الحريري ومباركته لا يمكن أن ترتكب مثل هذه الجريمة مهما بلغت من الذكاء أو الغباء .‏

فاتقوا الله أيها السفهاء في حق يراد به الباطل وحقيقة تقاد في متاهات الضياع إن الجريمة في هذه الأمة تاريخ صهيوني المبدأ والمعاد, والشرعية الدولية بلبوسها الجديد لن تشرع لنا سوى الاستسلام لمشاريع التصفية والانهزام أمام مخططات العدوان .‏

وعلينا أن ندرك جميعا أن الكذب والكاذبين لن يقودوا إلى أي حق أو حقيقة فلماذا نهادن الكذب الذي اصبح عقدة تسلطية وعقيدة سياسية في عصر الزيف والتلفيق الذي يطالعنا يوميا بما لا يغتفر من اضاليل السياسة وأكاذيب السياسيين من قادة العالم المتحضر دون خجل أو حياء ?!‏

إن العمى أو التعامي لا يلغي وجود الشمس في رابعة النهار, والجهل والتجاهل لا ينفي قوانين العلم وقواعد المعرفة من سجل الوجود. فما يحدث ليس سوى رسالة (قوس قزح) إلى الشرق انسانا واديانا وأوطانا مضرجة بالدماء حينا وبالشقاق حينا وبالنفاق تارة أخرى .‏

فقد تحللت لدائنها من أبيض البيت الاميركي المتصهين بكل وضوح في ظل إدارته الجديدة لتبيض سماء أفغانستان بدخان الحرب والعدوان, وتنزلت زرقتها في أشلاء الأبرياء من أبناء العراق الجريح, وبقية الألوان قادمة لا محالة لتكتمل الأطيان من جديد في أوراقه البياض الاميركي الذي لن يدع للعالم غير السواد والدمار .‏

وتلك هي العقدة والعقيدة الصهيونية وعقيدة السائرين في فلكها لتحويل العالم إلى قطعان في خدمة /الشعب المختار/ وأن هذه العقدة والعقيدة تقوم على مفهوم الدم والجريمة في كل زمان ومكان فهل يحتاج الناسون والمتناسون إلى التذكير بمصلحة إسرائيل في كل هذه الأحداث وتداعياتها? أو التذكير بأن ما يمس إسرائيل التي لم تدع فناً من فنون العدوان إلا واستخدمته على الجميع هو خط أحمر لا يجوز الاقتراب منه أو المساس به, وأن بقية الخطوط مباحة مستباحة وهل يجهلون ترشيحها الجديد للقيام بأدوار مفتوحة في فرض ديمقراطية الموت والدمار بعد أن تكشفت أخطار الاستيراد الديمقراطي المسموم?!‏

إن الشعارات لا تصنع أوطاناً, فالوطن فعل انتماء والتزام بمقومات الوطنية التي هي حق مشروع لجميع الشعوب التي تؤمن بالسلام عقيدة وترفض العدوان نهجاً وشريعة.‏

فأية وطنية تجيز لنا التصويب على شقيق مستهدف قبل أية جريمة ودون أية جريمة?!‏

وآخر تذكرة للجميع بأن إسرائيل تتشدق ملء الأفواه والأسماع بدورها في القرارات الدولية التي تعصف بالمنطقة, وهاهي تنذر وتتوعد بالتنفيذ دون الرجوع إلى أية شرعية مشروعة أو غير مشروعة. فهل بقي من عذر لمعتذر?! وهل أدرك المهووسون أن الجريمة أكبر من الساحات والمساحات وأن خيوطها متواصلة بين واشنطن وتل أبيب اللتين تمسكان بطرفي قوس قزح وتوزعان ألوانه حسب الأولويات وما على الآخرين إلا السباحة في بحار الدم والظلمات.‏

لقد سقط الحياء بسقوط المواقف المشبوهة والمواقع المدانة والأدوار التي تنكرت لأبسط مقومات الحياء والوفاء.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية