إذا كان الأمر كذلك فلا بد أن يكون هذا الفريق يمتلك المبررات الفعلية لهذا القرار غير المعلن.. وسعر ال /60/ ليرة للدولار هو سعر مرتفع وربما يقف على الحد الأعلى الممكن ما قبل انهيارات قاسية في أسعار صرف الليرة.. ووسط الظروف التي نعيشها والسياسية منها تحديدا.. )أعني الضغوط الدولية علينا) كان يجب ألا يسمح لسعر العملة أن يصل إلى الحدود القصوى المقبولة.. لأن ذلك قد يجعل هذا السعر يغادر مستقره عند أول هزة نفسية أو سياسية أو اقتصادية.. وللعلم فإن النتائج الاقتصادية الناجمة عن الهزات السياسية والنفسية , لا يشترط بالضرورة أن تعود بعودة الوضع النفسي والسياسي إلى الاستقرار.. فإن مثلا.. حصلت هزة نفسية سياسية في الخامس عشر من الشهر الجاري.. وأدت الى خرق سعر ال /60/ ليرة للدولار.. وبدأ ذلك ينتج آثاره الاقتصادية.. لن يتراجع الأمر بالضرورة إن تراجعت الهزة السياسية واستقرت الأوضاع باتجاه معين..
بالتالي أنا أعتقد أن الدفاع عن سعر صرف الليرة لوضعه في حدود آمنة ضمن المجال الحيوي الذي افترضنا نظريا أنه بين 50 60 ليرة للدولار يحتاج جهودا أفضل.. ولا أقول أكبر.. لأن ثمة جهودا لكنها جهود بدأت معطياتها العامة تثير فعلا الريبة حول إمكانية أن يكون ضمن فريق إدارة العمل المصرفي من لا ينسجم في رؤيته مع الآخر.. وقد يصل التباين إلى حدود من يؤمن بالتدخل الكلي لتثبيت سعر العملة عند سعر صرف محدد, وبين من يفكر بترك عوامل السوق تحدد سعر الليرة مهما كان هذا السعر.
على هذا الأساس ربما يكون ما نقل عن الدردري في لندن من تعويم مأمون لسعرالعملة, صحيحا.. لكنه لم يلق تجاوبا محليا.. وفي رأينا أن فكرة التعويم فكرة لا تدخل في إطار المبادرة وإن كانت وصفت بالتعويم المأمون? بل هي تأتي في إطار النقل عن مصطلحات متداولة بغض النظر عن صلاحيتها للوضع السوري.. وبالمناسبة فمن المتعارف عليه أن لكل دولة أسلوبها في تحديد أسعار صرف عملتها في إطار ظروفها.. وفي هذا الإطار يبدو لي أن فكرة التعويم المأمون.. هي من أخطر الأفكار لمواجهة واقع وتطورات أسعار صرف الليرة.. حتى وإن كانت تخرج عن إطار التعويم لنقف عن حدود مفهوم سعر الصرف المرن..
تأتي خطورة التعويم المأمون أو سعر الصرف المرن من:
1 ليس هناك في الدنيا سعر صرف مرن إلى حدود الحرية الكاملة وإخضاع السعر كليا لعوامل العرض والطلب?!
2— نحن في بداية الطريق فلماذا هذه القفزة إلى آخرها بهذه السرعة..
3— أخشى أن إدارة العمل المصرفي لا تملك الدراسة الدقيقة الفعلية للعوامل المؤثرة في اتجاهات العرض والطلب ومستوى تأثير كل منها وديمومته.. بل هي لا تملك.. فهل لدى مجلس النقد والتسليف دراسة فعلية عن حجم السوق وآلية وعوامل التأثير في العرض والطلب.
4 لو كانت حسابات العرض والطلب متوفرة ودقيقة واتجهت الإدارة المصرفية للتحكم بأسعار صرف لتحفظ لليرة سعرا مقبولا مرضيا لحاملها.. لما سمح بقرارات فتح الاستيراد المتتالية التي شهدتها الأيام الماضية. ولما سمح بخفض أسعار الفائدة على الليرة.. ثم العودة لزيادته بالنقاط المحدودة..
الآن:
إن الاتجاه وسط الظروف الراهنة إلى أي شكل من أشكال التعويم )المستحيل).. هو اتجاه خطر.. وإذا كان التعويم يشبه الجراحة في المعالجة الصحية.. فإن طبيبا في الدنيا لا يمكن أن يقدم على جراحة في أجواء تفتقد الأدوات والتعقيم والجراح أيضا.. فكيف بنا وأن المعالجة السريرية أحدثت اختلاطات فعلية في نظم العمل المصرفي, التي هي بالأصل عليلة عندنا ومحدودة
وبالمناسبة التعويم )الجراحة) يتخذ قراره بشكل محدد زمنيا وأحيانا لأيام فقط.. لقراءة معطيات السوق بشكل أوضح.. ويعتمد على دراية فعلية بعوامل هذا السوق..
طبعا أنا لا أعني مما أقوله هنا أنني أقف مع اتجاه في إدارة الحياة المصرفية يقف ضد هذا التعويم.. لمناصرته ضد آخرين.. أبدا.. بل أنا استغرب أن تكون في الإدارة المصرفية مواقف متباينة.. فالاختلاف ظاهرة صحية فعلا.. لكن.. القرار يتخذ من جهة منسجمة متجانسة.. وللجميع إبداء الرأي.
لا مجال للإنكار اليوم.. أن ثمة جهدا فعليا للعمل مع السوق ومشكور هذا الجهد لكنه يشير إلى حالة من التخبط التي قد تعطي نتائج لا تحمد عقباها.. وما من شك أن افتقاد خبرة التجربة واضح.. وبالتالي قد يكون على الحكومة التدخل لإحداث متغيرات في موقع اتخاذ القرار المصرفي.. تقوم على مواصفات أخرى غير التي اعتمدت عندما تم اختيار الإدارة الراهنة.
أنا لا أعترض على أحد.. لكنني أنبه إلى نقطتين:
1- لو كان القرار الاقتصادي سليما لما كان هذيان سعر العملة السورية مبررا بتطورات الوضع السياسي..
أعني أن ذبذبة سعر العملة ليس ناجما عن الوضع السياسي )الضغوط الدولية) وفقط.. بل هو ناجم أيضا عن قرار اقتصادي لم يأخذ باعتباراته كافة العناصر المتوفرة أو المحتملة.
2- من المؤكد أن حركة سعر العملة في سوق ما, أمر طبيعي.. ولا داعي للرعب منه.. لكن.. الخوف اليوم من عدم الوضوح في قرارات المعالجة .. وظهورها كقرارات تفتقد الخبرة والتجربة..
قرأت اليوم إعلانا للمصرف العقاري يرفع الفوائد على الإيداع إلى 01%.. طبعا أنا أتساءل في هذا الإطار إن كان النظام العام يسمح بتجاوز ال 9%, وإن كان لا يسمح فيجب أن يسمح.. وأعتقد أن سعر الفائدة يجب أن يشكل عامل دعم لليرة..