تم عام 2003 إعداد جدوى اقتصادية لتوريد آلة الحقن المباشر لتطوير صناعة الأحذية ولاسيما أن هناك سوقاً داخلية واسعة للمنتجات المختلفة من الأحذية (مدنية - مهنية - عسكرية - أمن صناعي) التي تصنع بطريقة الحقن المباشر إضافة إلى إمكانية تصدير الأحذية إلى الدول المجاورة وتم اعتماد الدراسة واتخاذ القرار بتوريد الآلة وقامت الشركة العامة لصناعة الأحذية بمخاطبة المصرف التجاري السوري الفرع 17 بتاريخ 14/7/2003 لفتح اعتماد مستندي بقيمة 658839 دولاراً أميركياً لاستيراد آلة الحقن المتعاقد عليها مع شركة اتوغالي الإيطالية وتمت كافة الإجراءات لتوريد الآلة وبتاريخ 19/1/2004 وصلت الآلة إلى معمل أحذية درعا ضمن الفترة الزمنية المحددة بالعقد ولكن التركيب تأخر حوالي 98 يوماً وهذا رتب على الشركة غرامة تأخير قدرها 64565 دولاراً بما يعادل 3131402 ليرة سورية علماً أن قيمة الكفالة النهائية هي 65884 دولاراً أميركياً.
ولكن السؤال لماذا حصل التأخير وما المشكلات المتعلقة بذلك?
بتاريخ 24/5/2004 أعلم الدكتور المهندس ابراهيم حداد مدير الإنتاج بوزارة الصناعة حينها السيد وزير الصناعة بعد قيامه بالاطلاع المباشر على وضع الآلة أنه حتى تاريخه ما زال الخبراء يقومون بعملية المعايرة ولم يتوصلوا إلى حل العطل الحاصل بالآلة وبنتيجة الاجتماع معهم (الخبراء) أفاد الخبير أن السبب في تأخر عملية الإقلاع يعود إلى ارتفاع درجات الحرارة البيئية المحيطة في المعمل وكان رد الدكتور ابراهيم حداد أن الرد غير مقنع كون حرارة الآلة تصل في عملية صهر المواد الكيميائية إلى حوالي 185 درجة مئوية ما أربك الخبير ووعد بأن تقلع الآلة في القريب العاجل وأنهى الدكتور حداد كتابه بملاحظات مستقبلية على موثوقية واستمرار عمل الآلة كماً ونوعاً.
وفي كتاب آخر يؤكد مضمون تقرير السيد حداد الكتاب رقم 961 تاريخ 12/9/2004 الموجه من مدير معمل أحذية درعا إلى السيد وزير الصناعة يعلمه فيه بأن الوضع الفني والإنتاجي للآلة غير مقبول.
غريب ..!!
صدر عن السيد وزير الصناعة القرار رقم 3982 تاريخ 28/7/2004 لتقييم الوضع الفني والإنتاجي لآلة الحقن في معمل أحذية درعا ووصلت اللجنة خلال ساعتين من الكشف كما يؤكد مدير معمل أحذية درعا بكتابه لوزير الصناعة رقم 961 تاريخ 12/9/2004 على الآلة بتقييم الوضع الفني والإنتاجي للآلة ورأت أن الآلة موضوع الكشف تستطيع أن تحقق الطاقة الإنتاجية العقدية باستمرار إذا استخدمت المواد الأولية pu و tpu بالمواصفات الصحيحة وإذا قام بتشغيل الآلة عناصر مدربة وأكدت اللجنة أن الآلة جديدة وليست مجددة.
والغريب في التقرير أمران الأول أن اللجنة استطاعت أن تحدد وضع الآلة بساعتين من الزمن وتحكم عليها وعلى فنيتها وإنتاجيتها, وثانياً الآلة حينها كانت طاقتها الفعلية لا تتعدى 200 زوج في الوردية في حين أن الطاقة العقدية هي 100 زوج بالساعة والسؤال كيف استطاعت اللجنة بهذا الزمن وبهذه المغالطة للواقع أن تتوصل إلى هذا التقييم.
ملاحظات
لاحظت لجنة الاستلام النهائي خلال الكشف على الآلة أنه ظهرت خلال فترة الضمان الأعطال التالية:
- ظهور خدوش عميقة في الأجسام المنزلقة لكافة المحطات خلال تشغيل الآلة.
- تكسر قلوب الصمامات المسؤولة عن حركة المكابس الحاملة للقوالب والمسؤولة عن صعود وهبوط القوالب.
- فقدان أحد ملفات لوحة التحكم المسؤولة عن تشغيل الآلة ثلاث مرات الأولى تمت فيه معالجة المشكلة عن طريق إرسال فني شركة اتوغالي الذي قام ببرمجة الآلة من جديد, والثانية من خلال إرسال رقم الكود لإعادة ضبط الآلة, والمرة الثالثة من خلال زيارة فني الشركة.
- تعطل الريلية المسؤولة عن تشغيل مقاومات التسخين لمضخة البولي أويل وخراطيمها.
- عدم تناسب برمجة اللوحة الإلكترونية مع برمجة المحطات الأخرى.
وبعدها قام فني الشركة (اتوغالي) بأخذ الملاحظات وإجراء المعايرات الخاصة بالآلة ولكن رغم ذلك تحفظت اللجنة على عدة أمور ورفضت اعتبار الاستلام نهائياً إلا إذا قامت شركة اتوغالي باتخاذ إجراءات:
1- إرسال الأجسام المنزلقة لجميع المحطات بدون قيمة بسبب الخدوش العميقة التي ظهرت خلال فترة التركيب والضمان.
2- إرسال قوالب الصمامات المسؤولة عن حركة المكابس الحاملة للقوالب.
3- إرسال الريلية المسؤولة عن تشغيل مقاومات التسخين لمضخة البولي أويل وخراطيمها.
4- إرسال القطعة الإلكترونية المسؤولة عن إعادة برمجة اللوحة الإلكترونية البديلة.
5- إرسال مخططات الصيانة الميكانيكية والهيدروليكية لكافة أجزاء الآلة.
قيمة العقود المتوقفة 80 مليوناً والغرامة 15 مليوناً
مدير معمل أحذية درعا المهندس موفق عبد القادر الكركي قال: وضع المعمل مع تعطل الآلة سيئ جداً لأن هناك عقوداً موقعة مع المعمل قيمتها أكثر من 80 مليون ليرة وبتعطل الآلة لا يمكن الالتزام بها وهذا ترتب على المعمل بنتيجة تأخر تنفيذ العقود غرامة تأخير قدرها 20% أي ما يزيد على 15 مليون ليرة سورية.
ورداً على سؤال حول الوضع الحالي للآلة قال:تعطلت الآلة في 15/6/2008 وقمنا بالاتصال بكافة الجهات من القطاع العام والخاص لمحاولة إصلاحها ولكن جميع المحاولات فشلت, اتصلنا بوكيل الشركة الموردة فقال إن وكالته انتهت وإن الشركة الموردة انضمت إلى شركة أخرى تعرف بشركة INTIC الإيطالية ولكنه أبدى استعداده للمساعدة وبعد الاتصال بالشركة أبدت استعدادها لمساعدتنا في إصلاح الآلة وذلك عن طريق إرسال خبير فني للكشف على الآلة وإجراء الإصلاحات اللازمة شريطة أن يتم دفع أجور الخبير مسبقاً بمبلغ 800 يورو يومياً ولمدة خمسة أيام أي ما يعادل 4000 يورو إضافة إلى نفقات الطائرة ذهاباً وإياباً والإقامة وكافة مصاريفه الشخصية إضافة إلى قيمة قطع التبديل وأجور قيامه بالصيانة ما يعني أن بدل الإقامة يساوي 160 ألف ليرة وأجور الخبير 4000 يورو ما يعادل 284000 ليرة سورية.
وأضاف الكركي إن المعمل تأثر بنسبة 50% بتعطل الآلة وكنا نأمل هذا العام رغم كل الظروف أن نحقق أرباحاً جيدة بعد أن حققنا العام 2007 ربحاً قدره 200 ألف ليرة سورية انتقالاً من خسارة 26 مليوناً عام 2006.
ورداً على سؤال حول الأشخاص الذين تم تدريبهم على الآلة من ضمن شروط العقد قال: هذا الأمر أيضاً هو مأساة فقد تم إيفاد شخصين أنا واحد وهناك شخص آخر من معمل مصياف وكان زمن السفر خمسة أيام مع الذهاب والقدوم ووصلنا وكانت الآلة مركبة مع أنه من شروط العقد أن نحضر تركيب الآلة ولكن ذلك لم يحصل وصلنا وعدنا دون أن نفعل شيئاً, كان كل شيء جاهزاً.
افلاس وهروب
الشركة الموردة للآلة أعلنت إفلاسها وانحلالها ووكيلها المحلي أنهيت وكالته والمصرف التجاري السوري قام بتحريك دعوى قضائية أمام محكمة القضاء الإداري بدمشق بحق كل من شركة أتوغالي الموردة لآلة الحقن المباشر والمصرف المراسل بنك نازيوناله ديل لافورد - فرع بادوا إيطاليا لعدم التزامها بتحويل قيمة التأمينات النهائية والبالغة 65884 يورو المقدمة بموجب الكفالة رقم 11172732/ب لدى المصرف التجاري الفرع رقم 17 بدمشق والمكفول بموجبها الشركة الموردة لضمان حسن تنفيذ العقد, وتشير المعلومات المتوفرة لدينا بأن المصرف قام بتحرير الكفالة بناء على كتاب موجه للمصرف دون ختم.
بالعودة إلى البداية وإلى تقرير الدكتور ابراهيم حداد مدير الإنتاج في وزارة الصناعة حينها والذي أكد فيه عدم جاهزية الآلة وإضافة إلى أمور أخرى بمؤسسات وزارة الصناعة كما في معمل بيرة بردى ومؤسسة الإسمنت والتي تعرض على أثرها الدكتور ابراهيم لاعتداء جسدي كتبت عنه الصحف حينها ودفع ثمنه بمفرده وخسر موقعه في وزارة الصناعة لينكشف الأمر بعد هذا الزمن بأن ما قدمه الدكتور حداد كان صحيحاً ولكن الغريب في الأمر هو الطريقة التي تعامل بها معه عدد من المديرين العامين ومعاون الوزير لإسكات صوته حينها والذي دفع ثمنه اعتداء عليه وعلى زوجته ما زال بعد عامين يعاني من آثاره الصحية والنفسية.
والسؤال ما رأي وزير الصناعة ورئاسة مجلس الوزراء اليوم بعد تكشف واقع أقل ما يقال فيه سيئ وهل يعاقب الأشخاص الذين تصرفوا بالأموال العامة وبمنطق كسر العظم لإسكات قول الحقيقة بعد أن اتضحت وزال اللبس والغموض.