تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


تداعيات الأزمة البوليفية على القارة اللاتينية

شؤون سياسية
الأحد 21/9/2008
د. ا براهيم زعير

أثارت الأحداث الأخيرة في بوليفيا وتداعياتها على مستوى القارة الأميركية اللاتينية وفي العالم قدراً غير اعتيادي من التغطية الإعلامية في وسائل الإعلام العالمية, ويعكس ذلك أهمية التغيرات السياسية وتأثيرها على السياسات العالمية,

ولاسيما أن هذه الأحداث برهنت من جديد على حماقة وفشل سياسة المحافظين الجدد والرئيس بوش الابن الذي لم يتمكن وخلال ثماني سنوات من تربعه على عرش البيت الأبيض من تحويل أميركا إلى دولة متربعة على عرش العالم . كما كان يريد ويعمل للبرهان على أنها القطب الأوحد والوحيد الذي يجب أن يهيمن ويقرر مصير العالم, فالرغبات الأميركية شيء والواقع الفعلي شيء آخر تماما,ً فمن أُفغانستان إلى العراق إلى لبنان وفلسطين وصولاً إلى حديقته الخلفية» أميركا اللاتينية لم يحصد سيد البيت الأبيض سوى خيبات الأمل والهزيمة, ما جعل بلاده أميركا الأكثر كراهية لدى شعوب العالم قاطبة, ولكن ما يحدث في أميركا اللاتينية اليوم ربما سيكون الأكثر قساوة بالنسبة للولايات المتحدة, فالرئيس موراليس المنتخب ديمقراطياً ووفق المعايير الغربية المعلنة أصبح الزعيم البوليفي الأول من سكان بوليفيا الأصليين والمعبر عن طموحات وآمال فقراء بلاده البالغ عددهم نحو 70% بالمئة من عدد السكان, وهم يعرفون من خلال تجربتهم الخاصة أن سبب شقائهم يعود للاستغلال البشع للاحتكارات الامبريالية الأميركية التي تمتص وتستنزف خيرات وثروات شعوب أميركا اللاتينية بأكملها, ولكي تفرض وجودها بأي شكل وبأي وسيلة كانت ولاستعادة مواقعها المفقودة في معظم دول أميركا اللاتينية التي شهدت موجة عارمة من المد الوطني التقدمي اليساري, حولت سفراءها في هذه البلدان إلى أداة لتحريك القوى الموالية لها من ذوي النزعة الليبرالية الرأسمالية, أغنياء هذه البلدان المتضررين من التحولات الاشتراكية وقيادتهم فعلياً لإحداث فتن وانقسامات ودفع الأوضاع الداخلية في هذه البلدان إلى حافة الحرب الأهلية بما في ذلك دفعهم للمطالبة بالانفصال عن الحكومات المركزية المناهضة للامبريالية الأميركية, ولكن الفشل كان هو عنوان هذه الحركات الموالية لأميركا , فالرئيس موراليس الذي بدأ بتحولات اقتصادية مهمة على المستوى البوليفي الشامل لمصلحة شعبه سرعان مااتخذ قراره الحاسم بطرد السفير الأميركي فيليب غولدبرغ من العاصمة لاباز لأنه لم يقم بدوره كدبلوماسي لبلاده بل بدور قائد أوركسترا المعارضة اليمينية الساعية بتوجيه أوامر أميركية لفصل خمس ولايات بوليفية عن جسم الدولة, وهذه الولايات هي الأغنى بثروات بوليفيا وخاصة من الغاز والنفط وغير ذلك, وتضامناً مع موراليس أقدم الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز على طرد السفير الأميركي من كاراكاس صارخاً «اذهب إلى الجحيم أيها الأميركي , يتوانى معلناً أنه لن ينوانى عن التدخل لمساندة حليفه موراليس فيما إذا تعرض لأي هجوم أميركي , لقد كان موراليس محقاً بتوضيحه لأسباب طرد السفير الأميركي بأنه يسعى إلى تقسيم بوليفيا ومتآمر ضد الوحدة الوطنية, ويقوم بتخريب الديمقراطية, وأميركا واليمين الليبرالي المتطرف هما السبب في تأجيج الأزمة التي ثمر بها بوليفيا , وأعلنت الهندوراس تضامنها مع موراليس وكذلك الباراغواي والبرازيل ونيكارغوا وكوبا والكثير من دول أميركا اللاتينية.‏

إن هذه الموجة من العداء الأميركي اللاتيني للولايات المتحدة مؤشر هام على أن الشعوب في هذه القارة, قدأدركت أن أميركا هي سبب أزماتها الاقتصادية المتفاقمة , والحل لن يكون عن طريق أنظمة تنفذ سياسة واشنطن وإنما بطرح برامج وحلول واقعية بعيداً عن التأثير الأميركي الجشع, وهذا هو الطريق الوحيد لحل المشكلات التي يعاني منها نحو 221 مليون إنسان من فقر مدقع من أصل 500 مليون عدد سكان القارة الأميركية اللاتينية .‏

لقد عانت أميركا اللاتينية خلال سنوات هيمنة الشركات الأميركية الاحتكارية العابرة للحدود القومية, من اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء بسبب سياسة لبرلة الاقتصاد الوطني لهذه البلدان, وخصخصة القطاع العام وتراجع الانتاج الوطني, ما أضعف اقتصاديات أميركا اللاتينية, فارتفعت معدلات الدين الخارجي وارتفعت نسبة العاطلين عن العمل والفقراء الذين بلغت نسبة من يعيش منهم بأقل من دولار يومياً أكثر من 40 بالمئة من مجموع السكان, وهذا مادفع لتزايد موجات الهجرة خارج أوطانهم, لقدلعب البنك الدولي لعبته المعهودة بتقديمه قروضاًً دون ضمانات للمستثمرين الأجانب والمحليين, ما أدى إلى كوارث مصرفية, عندما قام هؤلاء المستثمرون بجمع أموالهم وتركوا البلاد تتخبط في أزمتها وتواجه مشكلاتها بنفسها إضافة إلى تفشي الفساد المالي والإداري, والتسريع في عمليات الخصخصة وتسريح مئات الآلاف من وظائفهم, ما دفع معظم بلدان أميركا اللاتينية إلى أوضاع غير مستقرة ومضطربة, فعادت الحركات اليسارية, التقدمية بزخم قوي إلى معظم دول القارة وانبعثت الروح الوطنية, روح الثوري تشي غيفارا, ولكن هذه المرة عن طريق ديمقراطية صناديق الاقتراع التي أوصلت إلى السلطة ممثلي هذه الحركات اليسارية في عدد كبير من دول القارة, ليقودوا ثورة المهمشين والفقراء ضد النهب الإمبريالي الأميركي, فقاوموا تحكم واستغلال الشركات الكبرى الأميركية واستغلالها لهذه الدول وتوزيع الخيرات على الطبقات المسحوقة من الشعب.‏

لقد عبرت عن هذه الموجة اليسارية المحامية الأميركية من أصل فنزويلي إيفا كولنيكر بقولها:« لقد بدأت رياح اليسارتهب على أميركا اللاتينية, ولن تقف عند حدود دولة أو عدة دول بل ستكتسح معظم دول القارة لتخلصها من الهيمنة الأميركية على مقدرات الشعوب».‏

لقد أخذ اليسار يبسط سلطته كاتباً مرحلة جديدة في تاريخ القارة الأميركية اللاتينية.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية