تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


العالم باتجاه التعددية القطبية

شؤون سياسية
الأحد 21/9/2008
أحمد برغل

على امتداد عقدين من الزمن, بقيت الولايات المتحدة القوة المهيمنة الوحيدة على مقدرات العالم, إثر انهيار الاتحاد السوفييتي إلا أن حرب القوقاز الأخيرة أثبتت بما لايدع مجالاً للشك أن أميركا لن تبقى وحدها في تقرير مصير هذا العالم الذي نعيش فيه,

وأن روسيا اليوم مصممة على المضي حتى النهاية لتغيير نظام العلاقات الدولية الخاضع للسيطرة الأميركية, وهذا التصميم جاء على لسان الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف, عندما أعلن رفض بلاده للنظام العالمي الحالي الذي تتحكم به أميركا.‏

وبالفعل فقد كشفت حرب القوقاز الأخيرة أن استفراد الولايات المتحدة بالعالم بعد نهاية الحرب الباردة وسقوط جدار برلين في طريقه إلى الزوال, وأن النظام العالمي الحالي بصدد عملية تغيير تدريجية من شأنها إعادة التوازن فيه.‏

فقد بدا واضحاً أن روسيا انتقلت من مرحلة استعادة قدراتها وتعزيز سمعتها, إلى مرحلة التحرك على الأرض لتكريس واقع جديد تدخل فيه موسكو طرفاً رئيسياً في المعادلات الأقليمية والدولية, عبر التأكيد بأنها دولة كبرى تملك كل الامكانات السياسية والعسكرية للتحرك على أكثر من جبهة, حماية لمصالحها الوطنية والاستراتيجية في وقت بدت فيه الولايات المتحدة عاجزة عن مساعدة جورجيا مكتفية بالتصريحات السياسية والإعلامية, التي لاتقدم ولاتؤخر الأمر الذي يكشف عن حدود القوة الأميركية من ناحية, وعن بروز القوة الروسية من ناحية أخرى.‏

فموسكو قررت لعب كل أوراقها, وتولي قلب النظام العالمي الحالي.‏

بعدما فوجئت بحجم الدعم الأوروبي والأميركي للرئيس الجورجي ميخائيل سكاشفيلي الذي تعتبره موسكو مسؤولاً عن جرائم حرب, واستخف بكل مايدافع عنه العالم المتحضر.‏

إن الذين يتحدثون اليوم عن محاولات موسكو ضم أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا يتناسون مايبذله الغرب من محاولات لأخذ القوقاز بعيداً عن دائرة المصالح الروسية بغية تضييق الخناق على موسكو وتحقيق المزيد من توسع الناتو من خلال ضم جورجيا وأوكرانيا كمقدمة لابتلاع مناطق أخرى من الفضاء السوفييتي السابق والسيطرة على منابع وخطوط نقل النفط في منطقتي بحرقزوين والقوقاز, وهذا ماتدركه موسكو وتحاول توضيحه للعالم.‏

لقد احتملت روسيا كثيراً السياسة الأميركية التي تميزت, ومنذ انهيار الاتحاد السوفييتي السابق بالعدائية والاستبداد وتهديد سلامة أراضيها.‏

لاشك أن عودة روسيا كلاعب أساسي على الساحة الدولية لاتناسب المحافظين الجدد, لأن هذه العودة تعرقل أحلام فرص امبراطورية أميركية على العالم.‏

وهكذا, فالمحافظون الجدد الذين يقدمون مصلحة اسرائيل على مصلحة الولايات المتحدة باعتبارهم اسرائيليين قبل أن يكونوا أميركيين شعروا بالصدمة جراء فشل الهجوم الجورجي على أراضي اوسيتيا الجنوبية, ورأت اسرائيل الصديق والحليف الألصق بالولايات المتحدة أن ماحدث في القوقاز كان هزيمة أميركية قبل أن يكون هزيمة جورجية.‏

روبرت كاغان أحد أساطين المحافظين الجدد كان الأوضح في التعبير عن الهزيمة الأميركية في القوقاز حين اعتبر وعلى صفحات الواشنطن بوست أن يوم الثامن من آب 2008, كان نقطة تحول لاتقل أهمية عن التاسع من تشرين الثاني 1989, لدى سقوط جدار برلين. ففشل الهجوم الجورجي على أراضي أوسيتيا الجنوبية, شكل حسب كاغان بداية العودة الرسمية للمنافسة بين القوى الكبرى, على غرار نموذج القرن التاسع عشر من قوميات خبيثة, على حد وصفه ومعارك من أجل الموارد وصراعات على النفوذ والأراضي.‏

هزيمة جورجيا المدعومة من أميركا واسرائيل بشكل خاص والغرب بشكل عام قد تعيد أسلوب الحرب الباردة, ويحل الخطر الروسي محل الخطر الإسلامي المزعوم الذي اخترعته الولايات المتحدة بعد سقوط جدار برلين وتفكك الاتحاد السوفييتي السابق. أما جورج فريدمان, المدير التنفيذي لمركز «استراتفور» البحثي فرأى أن الروس أقدموا للمرة الأولى بعد سقوط الاتحاد السوفييتي على خطوة قوية وعدلوا المعادلة لصالحهم في وقت لايمكن فيه للولايات المتحدة وغيرها من دول حلف شمال الأطلسي أن تحارب روسيا.‏

فواشنطن غرقت في حرب العراق وحرب أفغانستان وتمنى فريدمان أن تساعدها موسكو في مواجهة طموحات إيران النووية.‏

وخلص جورج فريدمان إلى القول «إن الولايات المتحدة أصبحت في وضع لاتملك فيه أن تقوم بعمل ما, وإنه من الأفضل والحالة هذه أن تلوذ بالصمت».‏

ومن هنا يمكن القول: إن العسكرية الأميركية قد تلقت هزيمة واضحة, ذلك أن روسيا أظهرت أنها تستطيع أن تقهر قوات أشرف على تدريبها مستشارون أميركيون وإسرائيليون. في تقرير تحليلي أعدته مؤسسة «استراتفور» إشارة واضحة إلى أن أحداث القوقاز أظهرت أن الجيش الروسي قادر على تحقيق النجاح العسكري والتغلب على قوات أشرف على تدريبها مستشارون أميركيون.‏

لكن الأهم في المشهد الروسي الجورجي هو أن روسيا أعطت إشارة للجمهوريات السوفييتية السابقة, وبشكل خاص أوكرانيا وجمهوريات القوقاز وآسيا الوسطى, بالإضافة إلى بولونيا وجمهورية التشيك اللتين تحتضنان منظومة الصواريخ الأميركية, إلى أن الاقتراب من أراضيها خطأ يقارب الخطيئة وهو مالا تغفره موسكو.‏

فروسيا بوتين وروسيا ميدفيديف قد نفد صبرها من جراء مطامع الامبراطورية الأميركية, وباتت المكاسب التي حققتها بعد انهيار الاتحاد السوفييتي لاقيمة لها, فالكرملين أدرك أن واشنطن وسياساتها باتت تمثل الذئب المفترس المستعد لالتهام الآخر صباح مساء. ولعل ما أعلنته موسكو على لسان رئيسها فلاديمير بوتين في ميونيخ الذي عقد في شباط 2007 حول رفض هيمنة القطب الواحد وضرورة بناء عالم متعدد الأقطاب كان مقدمة لما نشهده اليوم من تطورات تقول: إن روسيا بوتين غيرها عن تلك التي تعوّد الغرب التلاعب بها وبمقدراتها أيام حكم الرئيس الأسبق بوريس يلتسين.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية