وتثير أحداث الايام الاخيرة قرب مستوطنة يتسهار الشكوك من جديد بشأن مدى ثبات القوائم الاربعة التي يرتكز عليها هذا الكرسي الامني والذي يتربع عليه المستوطنون بكل ثقلهم.
لقد خسر المستوطنون خلال السنوات الثلاث الاخيرة معركتين قاسيتين: إخلاء غزة وشمالي الضفة في صيف 2005 وإخلاء مستوطنة عمونة في ربيع 2006 لكن هذه الخسارة كانت مفيدة جدا بالنسبة لهم, وقد استغلوها لاحراز الانتصار في المعركة الكبرى حول مصير الضفة. وبعد اربعة أعوام من قرار ادارة بوش بضرورة اخلاء المستوطنات خارج الكتل الاستيطانية الكبرى ( رسالة بوش لشارون) ها هو بوش يعود ادراجه الى تكساس, أما المستوطنون فإنهم يواصلون لعبتهم الخاصة من الخليل حتى شمال الضفة بينما لا أحد يتحدث اليوم عن اخلاء الكتل الاستيطانية الكبرى.
لقد استهل ايهود اولمرت حكمه بتصريحات حول خطة الانطواء وتفيد مراسلات سريه مع البنتاغون كشفت عنها « نيويورك تايمز ان الشخصية اليمينية الاميركية فرانك غافني حاول اقناع صديقه وزير الدفاع دونالد رامسفيلد عشية الانتخابات في 2006 بالتدخل لدى بوش ضد خطة الانطواء, لكن اولمرت سرعان ما اندفع صوب لبنان وأراد من تلك الحرب وكان مخطئا, أن تكون غطاء سياسيا لتحقيق خطة فك الارتباط هذه الحرب سقطت على رأسه وحطمته سياسيا, بينما نجا المستوطنون, أما تسيبي ليفني وشاؤول موفاز, وهو من اخلى حومش ونتساريم, فإنهما يتجادلان حول كل شيء لكنهما يصابان بالخرس عندما يتعلق الامر بالاستيطان في الضفة.
وإضافة إلى الفشل المتراكم في قضية إخلاء غزة, جاء انتصار حركة حماس في الانتخابات وسيطرتها على غزة, وتورط أولمرت في قضايا فساد ليمنح المستوطنين أربع إلى ست سنوات غالية الثمن ستستمر على الاقل حتى تستقر الادارة الاميركية المقبلة برئاسة اوباما أو ماكين أو ربما إلى ما بعد انتخابات الكنيست وتشكيل حكومة جديدة في اسرائيل التي سيكون عليها التعامل مع اولويات اخرى تتصل بايران وسورية وحزب الله وحماس إلى أن يصل الدور للتعامل مع العملية السياسية واخلاء الضفة في نهاية الامر.
هذا الوضع لايريح السياسيين فقط, بل ايضا المستوى التنفيذي على الأرض, وكل قائد منطقة يصل لمنصب متوسط مثل السكرتير العسكري لرئاسة الوزراء يضع نصب عينيه أن يصبح رئيس هيئة اركان الجيش, ولا يندفع بالتالي للتصادم مع مجموعات الضغط التي يمثلها المستوطنون كما أن قادة الفرق والالوية اشخاص اذكياء يستخلصون العبر نفسها, وإذا وجد قائد فرقة شاب عنيد لايدرك ان الانجاز المطلوب منه هو الهدوء وليس العدالة فيمكنهم كسره أو كسر يده.
أما قيادة الشرطة بالذات فإنها اقل خوفا من المستوطنين مقارنة مع الجيش, والضباط الذين شاركوا في اخلاء غزة, باستثناء اللواء اوري بارليف في صراعه الخاص مع المفتش العام دودي كوهين, لم يتضرروا. وقد جرى ترفيع قائد احد الفرق التي قامت بالاخلاء وهو أهارون فرانكو الى رتبة لواء وعين قائدا لمنطقة القدس.
أما القائد الثاني العميد حاجي دوتان فسيصبح قريبا قائدا للواء الضفة الغربية. في المرحلة المقبلة ستتم ترقية من كان قائد منطقة النقب العميد نيسو شاحام الذي تسبب بإهانة المستوطنين من خلال لسانه الفظ امام وسائل الاعلام.
في جهاز الشاباك يفتح اللواء اليهودي عينه على من يثيرون الشبهات بوجود أطر تنظيمية أو اعمال تخريبية أو تآمر سياسي, هناك حظر على الرقابة المنظمة الواسعة كما يحدث مع الفلسطينيين, التنظيم السري اليهودي والذي نشط في المناطق في مطلع العقد والذي لم يتم كشف كل نشاطاته صامت وتفتخر اوساط الشاباك بالهدوء العابر وتفضل التفاوض مع قادة المستوطنيين. وإذا سألوا الشاباك سيقول: إن خطة جديدة للاخلاء ستتسبب في اندلاع العنف, لذلك ننصح كل من يفضل المخاطرة بالصمت إن يختبئ وراء الشاباك.
وبدوره يفاخر وزير الدفاع ايهود باراك بالاتفاق الوشيك لزحزحة اكبر بؤرة استيطانية ونقلها من نقطة لأخرى, رغم ان هذا الاتفاق يعبر عن حالة العجز, لكن باراك كالعادة, يمتاز في تحليل الامور مثل مستشار ابدي للامن القومي, انه يفتقد للقيادة التي تقوم بتغيير الاوضاع وتبرع في تحليلها فقط, إن نقل بعض البؤر الاستيطانية, وليس كلها يعطي رسالة واضحة للجميع من اسرائيليين وفلسطينيين وسوريين واميركيين, بأن من يراهن على قيادة اسرائيل انما يخدع نفسه.
في ظل هذه الظروف , فإن احتمالات تقدم العملية السياسية التي تشتمل على انسحابات خلافا للخطوات احادية الجانب تبدو معدومة كليا, وفي مواجهة ايران, يقوم باراك بترديد شعاراته الضخمة, اما مع يتسهار فإن التصريحات لاقيمة لها.