ويشتد السجال بين هذه المؤسسات وبين المؤسسة السياسية حول الجدوى من التهدئة على المستوى الاستراتيجي ,وترى بعض المؤسسات الأمنية في إسرائيل وخاصة الشاباك ان حماس وبقية المنظمات الفلسطينية تمكنت من استغلال الهدوء الذي وفرته التهدئة من تعزيز قدراتها العسكرية وإحكام سيطرتها على القطاع , وتدعي هذه الأوساط ان التهدئة تساعد حماس والفلسطينيين في القطاع على تشديد جهودها لإنهاء الحصار المفروض على غزة وبالتالي إفشال استراتيجية إسرائيل في استغلال هذا الحصار لتحقيق مكاسب سياسية على المسار التفاوضي على حد تعبير صحيفة هارتس ,
معاريف:العودة إلى الاغتيالات
وتشير بعض الأوساط الإسرائيلية الى تصريحات رئيس الشاباك بان جيش الاحتلال يستكمل استعداداته الميدانية من اجل شن عملية واسعة في قطاع غزة الى جانب ما دعى إليه شاؤول موفاز بالقيام بضربات واسعة ضد القطاع .
وكان موفاز قد صرح في مقابلة خاصة أجرتها معه معاريف : أنه تم التوصل للتهدئة بطريقة غير صحيحة. كان ينبغي لنا أن نخلق ردعاً جوهرياً إزاء حماس, واستعادة جلعاد شاليت وبعدها تحقيق التهدئة. والتهدئة هشة جداً حالياً, ولست على ثقة بأنها ستبقى إلى الأبد, وهذا رفع من سعر وزاد وقت استرداد جلعاد شاليت.
وأعتقد أننا أخطأنا عندما قبلنا وقف النار من دون استعادة شاليت. هنا كان الخطأ, وينبغي لنا أن ندفع ثمنه, على ما يبدو.وأجاب عن سؤال عما إذا كا ن سيعود الى سياسة اغتيال قادة حماس بأنه سوف يقوم بذلك على نحو أكثر قوة .
وبصرف النظر عن ان جميع هذه التصريحات تأتي في سياق التنافس الانتخابي بين مختلف زعماء الكيان الصهيوني وفي سياق ما يراه بعض المهتمين بالشأن الأمني الإسرائيلي بحزمة التهديدات الاستراتيجية التي تواجه إسرائيل في المرحلة الراهنة باعتبار ما يجري في غزة يشكل تهديدا خطيرا لإسرائيل المتمثل بتعاظم القوة العسكرية لحماس وبقية فصائل المقاومة الى جانب استخدام هذه التهديدات والدعوات للضغط على حماس من اجل تخفيض سقف مطالبها فيما يتعلق بالأسير جلعاد.
و أفادت صحيفة هآرتس, بأن اللجنة الوزارية الإسرائيلية الخاصة لتحديد معايير إطلاق سراح أسرى فلسطينيين أدينوا بتخطيط وتنفيذ عمليات أسفرت عن مقتل إسرائيليين انتهت مؤخرا من إعداد قائمة بديلة بأسماء أسرى توافق إسرائيل على إطلاق سراحهم وتكون بديلة لقائمة مررتها حماس, بعد أسر شاليت, وتشمل كلا القائمتين 450 اسما لأسرى فلسطينيين في السجون الإسرائيلية. وقالت هآرتس: إن اللجنة الوزارية الإسرائيلية انتهت من إعداد قائمة الأسرى الفلسطينيين البديلة خلال اجتماعها يوم الأحد الماضي, وتم تسليمها إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية, ايهود أولمرت, ليطلع عليها لكنه لم يقرر بعد ما إذا كان سيقرها أم لا. وفي حال صادق أولمرت على قائمة الأسرى البديلة فإن إسرائيل ستمررها إلى مصر وبالتالي إلى حماس.
وشارك في عضوية اللجنة الوزارية الإسرائيلية التي أعدت القائمة البديلة رئيس اللجنة والنائب الأول لرئيس الحكومة, حاييم رامون, ووزير الأمن الداخلي والرئيس السابق لجهاز الشاباك, أفي ديختر, ووزير العدل, دانيئيل فريدمان, ووزير حماية البيئة والنائب الأسبق لرئيس الشاباك, جدعون عزرا, إضافة إلى مسؤولين كبار في جهاز الأمن ومبعوث رئيس الوزراء الخاص لشؤون الجنود الأسرى والمفقودين, عوفر ديكل, ومسؤولين كبار في النيابة العامة وسلطة السجون. ويتوقع أن يبحث في قائمة الأسرى البديلة ويتخذ قرارا بشأنها «المجلس الوزاري المصغر الذي يضم أولمرت ووزيرة الخارجية, تسيبي ليفني, ووزير الدفاع, ايهود باراك. ويذكر أن إسرائيل كانت قد أعلنت موافقتها على إطلاق سراح 70 أسيرا من الواردة أسماءهم في القائمة التي مررتها حماس, بعد أن وافقت إسرائيل على إطلاق سراح أسرى أدينوا بقتل عملاء لإسرائيل.
من جهة أخرى دعت جهات أمنية إسرائيلية الى خرق التهدئة ووقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس في قطاع غزة, بهدف ممارسة ضغوط على حماس من أجل استئناف المفاوضات بين الجانبين حول صفقة تبادل أسرى تستعيد إسرائيل من خلالها جنديها الأسير في القطاع, غلعاد شاليت. وقالت صحيفة معاريف, إنه تزايدت مؤخرا الأصوات في جهاز الأمن الإسرائيلي المطالبة بتفجير التهدئة. وأضافت الصحيفة أن اجتماعات أمنية مغلقة في إسرائيل عقدت مؤخرا وتم خلالها التداول في إنهاء التهدئة, إلا أنه ليس متوقعا اتخاذ قرار حيال ذلك في الفترة القريبة المقبلة. وأشارت معاريف إلى أن احتمال مبادرة إسرائيل لإنهاء التهدئة في القطاع يدل على خيبة أمل بالغة تسود جهاز الأمن الإسرائيلي لكون المفاوضات بين إسرائيل وحماس بوساطة مصر حول صفقة تبادل الأسرى أصبحت متوقفة بشكل كامل. ويسود الاعتقاد في أوساط جهاز الأمن الإسرائيلي بأن حماس معنية جدا باستمرار وقف إطلاق النار وأنه بفضل التهدئة لا تشعر حماس بوجود ضغوط عليها من أجل تسريع المفاوضات وتنفيذ تبادل أسرى, وأن مجرد استمرار احتجاز شاليت في القطاع يشكل بوليصة تأمين لمنع قيام إسرائيل بمحاولات لاغتيال قياديين في الحركة. وعلى خلفية هذه التقديرات طرحت أوساط في جهاز الأمن الإسرائيلي مؤخرا إمكانية استئناف الحصار الاقتصادي وخرق وقف إطلاق النار في القطاع من أجل ممارسة ضغوط على حماس لاستئناف المفاوضات في ظروف غير مريحة بالنسبة لحماس.
وقالت معاريف أن رسالة تضمنت هذه التقديرات مررتها إسرائيل لمصر في عدة مناسبات خلال الأسابيع الأخيرة بهدف إيصالها إلى قيادة حماس. وأكدت الصحيفة على أنه رغم هذه التقديرات والدعوات فإن سريان مفعول التهدئة في هذه المرحلة هو مصلحة إسرائيلية ولذلك فإن إسرائيل لن تبادر إلى معاودة القتال في الأسابيع القريبة المقبلة, لكن في حال لم تستأنف المفاوضات في غضون ذلك فإنه يتوقع أن تتصاعد الأصوات التي تتعالى في جهاز الأمن الإسرائيلي والداعية لإنهاء التهدئة.
وفي الوقت الذي تتحدث فيه بعض الجهات الإسرائيلية حول تفجير التهدئة أو التخلي عنها تطلق حكومة اولمرت العنان لقطعان المستوطنين في الضفة الغربية حيث ازدادت في الآونة الأخيرة نسبة اعتداءات هؤلاء المستوطنين على المواطنين الفلسطينيين في العديد من القرى الفلسطينية سواء لجهة إحراق المنازل أو كروم الزيتون أو الاعتداءات المباشرة على المواطنين ,وفي نفس السياق ن يجري الحديث في الأوساط المقربة من اولمرت عن إمكانية التوصل مع ابي مازن الى تسوية في الضفةّّّّ , بمعنى أن كل ذلك يجري وفق خطة يتم خلالها تكريس الانقسام السياسي والجغرافي بين الضفة والقطاع , وفقا للتقرير الذي أصدرته منظمتان حقوقيتان إسرائيليتان و نشره الموقع الالكتروني للمشهد الإسرائيلي :» إن إسرائيل تنفذ خطوات بهدف عزل قطاع غزة عن الضفة الغربية. وجاء في تقرير أصدرته منظمتا بتسيلم و المركز للدفاع عن الفرد أن إسرائيل تنفذ خطوات أحادية الجانب بهدف تكريس واقع جديد من العزل بين السكان الفلسطينيين في قطاع غزة والسكان الفلسطينيين في الضفة الغربية.
وحذر التقرير من قيام السلطات الإسرائيلية بالمس بحقوق الإنسان الفلسطيني وفي إمكانية تطبيق الفلسطينيين لحقهم في تقرير المصير, وشدد على أن «إسرائيل تحول فلسطينيين إلى متواجدين غير قانونيين في بيوتهم». وهذا ما يفسر إصرار حكومة اولمرت على عدم إدراج الضفة الغربية في اتفاق التهدئة علما أن الاتفاقية تضمنت نصا تعهدت فيه مصر لاحقا بتنفيذ التهدئة في الضفة الغربية. وهو تعهد وافق عليه الطرف الإسرائيلي كذلك.
لكن, في الحقيقة إن استثناء الضفة الغربية من التهدئة لا يمس بمبدأ وحدتها مع القطاع إلا شكليا. ذلك لأن هذا الاستثناء سيف ذو حدين,بالنسبة لقوات الاحتلال , وهو ما تخشاه أن تتحول الضفة إلى انتفاضة ضد الاحتلال وضد ما يرتكبه الاحتلال من جرائم, وان تصبح الانتفاضة الإستراتيجية التي تتبناها فصائل المقاومة والشعب الفلسطيني في مواجهة استمرار ممارسات قوات الاحتلال من عمليات اغتيال وتدمير البيوت ومصادرة الأرض والاعتقالات الفردية والجماعية, لأن الضفة ما زالت تحت الاحتلال المباشر ويجب أن يدحر الاحتلال عنها كما دحر من قطاع غزة, وإن لم يكن دحرا كاملا بسبب استمرار الحصار الذي يمارسه الاحتلال.لذلك هذا ما تخشاه إسرائيل من إمكانية تحويل استثناء الضفة من التهدئة إلى سيف كفاحي ضد الاحتلال, واستبقاء روحية المقاومة والممانعة تحت الفعل المستمر.
لهذا كله , هنالك علاقة مباشرة بين الدعوات الإسرائيلية بتفجير التهدئة وبين الضغط على حماس حول قضية الأسير الإسرائيلي وبين اصراراولمرت على إبقاء باب المفاوضات مفتوحا مع ابي مازن ,على قاعدة تكريس سياسات الأمر الواقع في الضفة وتكريس الحالة الانقسامية القائمة بينهما على المستوى الجغرافي والسياسي , ويذهب بعض المحللين الإسرائيليين لربط ما قاله اولمرت في حديثه أمام لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست, من :»إن عدم التوصل إلى اتفاق بسرعة مع الفلسطينيين سيكلف ثمنا لا يحتمل. وأن الثمن الذي تدفعه إسرائيل في ما أسماه إعادة مناطق إلى الفلسطينيين سيكون أقل من الثمن الذي ستضطر إلى دفعه في المستقبل.
كما أكد أنه يسعى إلى إقناع أبي مازن بقبول اقتراحه بشأن اتفاق مبادئ حول القضايا الجوهرية, التي تنص على تأجيل المفاوضات بشأن القدس, والإنسحاب من أقل من 68% من مساحة الضفة الغربية, ورفض حق العودة للاجئين.
أي ان اولمرت يعتبر المرحلة الحالية وما تمر به الساحة الفلسطينية من انقسام فرصة ذهبية لتمرير تسوية تتضمن تصفية القضية الفلسطينية.