فالمشكلة الأساسية حسب الباحثين تكمن بزيادة جرعة السهر ليلا , وهذا النمط من الحياة يختلف من شخص إلى آخر لكن الغالبية العظمى من الصائمين وغيرهم يفضلون السهر مع وجود مغريات كثيرة بدءاً من الدراما وانتهاء بالخيم الرمضانية .
ولا ننكر أن التغير في أوقات تناول الطعام يصاحبه تغيرات فيزيولوجية في الجسم , ما يدفع الكثيرين إلى الاعتقاد أن الصيام يؤدي خلال شهر رمضان إلى زيادة النعاس والنوم , لكن للمختصين بتشخيص وعلاج اضطرابات النوم رأياً آخراً , فهم يرون وجوب التفريق بين تأثير الصوم على فيزيولوجية الجسم , وبين تغير نمط الحياة خلال رمضان وتأثير ذلك على النوم .
إذ يرتبط شهر رمضان لدى كثيرين بالسهر خلال الليل , وبالتالي تحدث تغيرات في نسق حياة المجتمع ككل , فساعة بدء الدوام تتأخر خلال رمضان وتفتح المحال التجارية أبوابها حتى ساعة متأخرة من الليل وتلعب القنوات الفضائية لعبتها في بث كم هائل من المسلسلات والبرامج , وتكثر الزيارات بين الأقارب والأصدقاء حتى ساعة متأخرة من الليل , وينتج عن السهر نقص حاد في عدد ساعات النوم خلال الليل ما قد يسبب الخمول والنعاس خلال النهار.
وقد أجريت دراسة في بلد عربي على عينة مكونة من خمسين شخصا, ولاحظ الباحثون أنه لا يوجد اختلاف في مجموع ساعات النوم التي ينامها الصائم خلال شهري شعبان ورمضان فقد نام أولئك نفس عدد الساعات خلال شهر شعبان والأسابيع الثلاثة الأولى من رمضان , و كان الاختلاف واضحا في مواعيد وقت النوم والاستيقاظ , والمفارقة أنه بالرغم من حصول عينة البحث على نفس عدد ساعات النوم فإنهم كانوا يشتكون من زيادة حادة في النعاس خلال نهار رمضان, و قد يعزا ذلك إلى التغير المفاجئ في مواعيد النوم والاستيقاظ, , واحتمال وجود تغيرات فيزيولوجية مصاحبة للصيام كتغير إفراز هرمون النوم خلال الصوم , وهناك احتمال وجود بعض العوامل النفسية أو تغير المزاج الذي يصاحب الصيام ويؤثر على النوم , و تبقى كل الاحتمالات السابقة نظرية .
ويرى الباحثون أن تغير نمط ومواعيد ونوعية الأكل من النهار إلى الليل قد تؤثر على فيزيولوجية النوم خلال الصيام , وبنتيجة ذلك تزداد عمليات إنتاج الطاقة خلال الليل ما قد يؤدي إلى زيادة درجة حرارة الجسم خلال الليل.
ففي العادة تنقص درجة حرارة الجسم نصف درجة مئوية قبل النوم ما يساعد على النوم , ولكن نتيجة لزيادة الأكل في رمضان خلال الليل قد ترتفع درجة حرارة الجسم ما قد يؤدي زيادة النشاط وعدم الشعور بالنوم خلال الليل, ويتبع ذلك خلال الصيام انخفاض درجة حرارة الجسم أثناء النهار والشعور بالنعاس ,ويعني هذا بصورة مبسطة تغير الساعة الحيوية في الجسم , وهذه إحدى النظريات المطروحة عن علاقة الصوم بالنوم , ولها ما يدعمها من الدراسات والأبحاث الاستقصائية .
و لم تتطابق هذه النظرية مع بحث على مجموعة من الذين حافظوا على نمط صحيح من السلوك اليومي , حيث لم يجد الباحثون أي اختلاف في النظام المعتاد لدرجة حرارة الجسم بين شعبان ورمضان , ولم يجدوا أي تغير مهم في النظام اليومي لإفراز هرمون النوم خلال شهر الصوم , كما أن قياسات النوم الموضوعية في المختبر لم تظهر أي تغير في جودة النوم , ولم تظهر القياسات الموضوعية لزيادة النعاس في المختبر أي زيادة في النعاس خلال شهر رمضان عند حصول الصائم على نوم كاف خلال الليل .
وبناء على نتائج الأبحاث التي أجريت على نموذجين من الصائمين يبدو واضحا أن الصوم في حد ذاته لا يؤثر على جودة النوم ولا يسبب زيادة النعاس خلال النهار, وأن التغيرات التي تحدث في النوم تعود إلى تغير نمط الحياة خلال شهر الصوم .