فصارت الخادمة الأجنبية جزءاً من أفراد العائلة, والمشهد العام يثبت ذلك, فنرى هؤلاء الخادمات الوافدات من شرق آسيا, يسرن في الأسواق خلف مخدوميهم, ويرافقنهم إلى الأماكن العامة, للعناية بالأطفال وتلبية متطلباتهم, هذا بالإضافة لما يقمن به من أعمال منزلية لاتحصى.
فما الذي يدفع بالبعض للاستعانة بهؤلاء الخادمات? هل هي حاجة مبررة, أم ترف زائد?
وما الأضرار الاجتماعية المترتبة على وجودهن في بيوتنا?
التخفيف من الأعباء المنزلية
استطلعنا بعض الآراء, فتباينت وجهات النظر بين »مع« أو »ضد« ولكلٍ أسبابه التي يراها مقنعة, فقد تقوم الخادمة بعمل يراه البعض لازماًَ وضرورياً, تقول السيدة رنا - 35 سنة ربة منزل: »تعبت كثيراً من الأعباء الملقاة على عاتقي من تنظيف وطبخ وعناية بأطفالي الثلاثة الذين تتقارب أعمارهم, هذا بالإضافة لتلبية احتياجات زوجي, ورعاية والدته التي تقطن معنا, ناهيك عن الضيوف والولائم, فكان لابد من الاستعانة بمساعدة دائمة, كما أن وجودها أتاح لي المجال للخروج من المنزل, والقيام بواجباتي الاجتماعية, والترويح عن نفسي, فما دامت الامكانات المادية موجودة, فلماذا لا أرتاح?«.
أسباب صحية
وهناك من فرضت عليهم ظروفهم الصحية, استقدام خادمة, والاعتماد عليها بشكل كلي, تقول السيدة رهف 38 سنة - ربة منزل: »تعرضت لأزمة صحية, تركت أثراً على وضعي, فأجبرت على الاستعانة بها بكل شيء حتى لرعاية أطفالي, فهي المسؤولة عن نومهم وطعامهم ولباسهم, وعليها أيضاً العناية بمتطلبات زوجي من تحضير للملابس والطعام«.
رعاية المسنين
حاجة المسنين للرعاية والخدمة, قد تبدو حجة مبررة, خاصة في ظل انشغال الأبناء بأعمالهم وشؤونهم الحياتية, تقول السيدة ربيعة 48 سنة - موظفة: »تعيش والدتي بمفردها, ونحن بعيدون عنها, لذلك فضّلنا الاستعانة بخادمة, تقيم معها وترعاها ليلاً نهاراً, لذلك نكون مطمئنين عليها, وهذا أقل شيء يمكن أن نفعله من أجلها«.
كسل ومظاهر زائفة
ولكن مهما كانت الحاجة ماسة للخادمة, فهناك من يرفض رفضاً قاطعاً الاستعانة بها, تقول السيدة أسماء 33 سنة - مخبرية: »على الرغم من مسؤولياتي الكثيرة وغيابي الطويل عن البيت, فأنا أفضل الاعتماد على نفسي في شؤوني المنزلية, وذلك من خلال تنظيم وقتي وتعليم أولادي الاعتماد على أنفسهم, ففكرة وجود إنسانة غريبة في منزلي, تراقب تصرفاتي, وتقتحم خصوصيتي, وتكون على احتكاك مباشر مع أولادي, فكرة مرفوضة, فبيتي مملكتي الخاصة, لذلك أستعين بورشات التنظيف مرتين في السنة, أما في حياتي اليومية, فخدمة زوجي والعناية بأولادي هي من مهماتي كزوجة وأم, ولاأسمح لأحد بأخذ دوري«.
ويشاركها بالرأي زوجها السيد نعيم 45 سنة - متعهد بناء, يقول: »أي كسل أصبحنا نعاني منه, فلماذا لاندّبر أمورنا بأنفسنا, ويمكن ذلك من خلال تقسيم الأعمال على أفراد الأسرة والقيام بالمساعدة, ورغم أنني قادر مادياً, إلا أنني لا أطيق وجود امرأة غريبة بعاداتها وتقاليدها ولغتها مع أولادي, فكيف أؤمن عليهم وعلى بيتي عندما أتغيب عن البيت, فمهما كانت موضع ثقة, فلن تخاف عليهم أكثر مني«.
انحسار دور الأم
وبين مؤيد ومعارض, طبعاً لعلم الاجتماع رأي بهذه الظاهرة, ومنعكساتها الاجتماعية على الأسرة والمجتمع, فحدثتنا الدكتورة ايمان حيدر - قسم الاجتماع - جامعة دمشق, قائلة: بدأت هذه الظاهرة بالانتشار لدى الطبقات الغنية والميسورة, حيث يتم الاعتماد على الخادمة اعتماداً كلياً في تنظيف المنزل وطهو الطعام وتربية الأولاد والعناية بهم, ماترك أثراً سلبياً في طبيعة العلاقات السائدة داخل الأسرة, كما أحدث نوعاً من التمايز الاجتماعي بين من هو قادر على استقدامها أم لا, وسبب في ظهور نوع من النظرة الفوقية من هؤلاء تجاه الآخرين والمجتمع.
ونظراً للجنسيات المتعددة لهؤلاء الخادمات من سيريلانكية أو فلبينية أو أندونيسية أو اثيوبية, فقد دخلت عادات وتقاليد مختلفة على الأسرة, فأصبحت ثقافة الطفل مستمدة من خارج المجتمع, من خلال الاحتكاك المباشر والمستمر مع إنسانة قادمة من بيئة مغايرة تماماً, وبلغة مختلفة, حتى إن بعض الأطفال أخذوا يتلفظون بكلمات أجنبية تحاكي لغة الخادمة التي تقوم على رعايتهم.
فهل أتت الخادمة لتربي أطفالنا? سؤال يطرح نفسه وتتابع د. حيدر بقولها: إن الأم لم تعد تهتم بدورها كأم, بعد أن صار الاعتماد الكلي على الخادمة في إدارة المنزل, ماأفقد الأم الكثير من دورها في حياة الطفل كالحمام اليومي وطعامه ولباسه وحتى نومه, فأصبحت هي الأم البديلة, دون أن تدري الأم, لأنها هي من تلبي احتياجاته, في حين الأم منصرفة لحياتها الخاصة, واهتماماتها من زيارات وتسوق, والأب منشغل بعمله, لدرجة أن كثيراً من البيوت صارت وكأنها فندق صغير, وهناك من يلبي احتياجات نزلائه, ما أحدث خللاً اجتماعياً, حيث فقدت الروابط والحميمية التي كانت سائدة فيما مضى.
وتضيف د. حيدر: رغم محاذير الاستعانة بالخادمة الأجنبية, إلا أن هناك حالات تفرض نفسها بقوة, كرعاية المسنين والمرضى, أو أن تكون السيدة لديها أطفال صغار بأعمار متقاربة, ولكن هنا ينبغي الحذر والحيطة من أن تأخذ الخادمة دور الأم فتربية الأبناء مسؤولية الأم وليس الخادمة.
وفي حال وجود مراهقين في البيت, على الأم أن تكون مراقبة للوضع, ويمكنها أن تكون هي صلة الوصل بينهم وبين الخادمة, وكذلك الأمر بالنسبة للزوج, فكثيراً ماحدثت قصص مؤسفة في غفلة عن الزوجة, أدت إلى انهيار العائلة, لذلك علينا ألا نلجأ للاستعانة بها إلا في حالات الضرورة القصوى.