أما أن تصادر إرادة المجتمع الدولي ورغباته وتلغي دور هيئاته الرسمية وقنواته الدبلوماسية فهو حديث ما بعده كلام..!
بالأمس وزعت الولايات المتحدة الاميركية وفرنسا مشروع قرار ( مسودة) على الدول الاعضاء في مجلس الأمن, تتعلق بقضية اغتيال رفيق الحريري, وذلك بعد جلسة استماع لعرض رئىس اللجنة الدولية المكلفة بالتحقيق بموجب قرار مجلس الأمن 1595 السيد ( ديتليف ميليس).
والاستماع إلى كلمات الوفد اللبناني, والوفد السوري ورغم البيانات الإيجابية والهادئة التي سادت جلسة مجلس الأمن بتاريخ 25/ 10/ 2005 وما نتج عنها من أجواء مطمئنة, تفهمت التفنيد السوري للمغالطات القانونية والإجرائية في تقرير السيد ميليس والاستعداد السوري لمتابعة التعاون بهدف الوصول إلى الحقيقة, إلا أن المندوبين الأميركي والفرنسي, سارعا الى تسليم مسودة قرار لمناقشته من قبل وفود الدول الأعضاء, وقبل أن تسلم هذه النسخة - المشروع- لممثلي الدول, كانت وسائل الإعلام تنشره كاملاً كما حصل مع تقرير ميليس المقدم الى الأمم المتحدة بتاريخ 21/10/.2005
والغريب في الأمر أن مسودة المشروع لم تناقش بعد والأغرب هو السرعة في طرح مشروع لا حاجة له أصلاً, بعد اعترافات السيد ميليس نفسه بأن التحقيق لم يكتمل وهو سيواصل إجراءاته وعمله خلال المرحلة القادمة مع تطمينات سورية بالتعاون التام.
والمزعج في هذه الخطوة الاستفزازية, والتي تنم عن استهتار واضح, بجميع الدول الأعضاء في مجلس الأمن, أنها تتضمن مسبقاً اتهامات وإجراءات ضد سورية.
ولا يكتفي المشروع بالإشارة الى تبني الأحكام المسبقة وإصدار الإدانات, بل يطلب الأخذ بالبند السابع من ميثاق الأمم المتحدة, الذي يجيز الإجبار واستخدام القوة.
وهكذا فإن المصداقية والسيادة للدول الأعضاء في مجلس الأمن, في اختبار حقيقي يكاد يكون الأخير..
فهل تقبل الدول الأعضاء في المجلس هذا الإملاء الفاضح وهل تسلم قرارها وقوتها وشأنها الدولي, الذي على أساسه كانت عضويتها في هذه المنظمة العالمية, بهدف الدفاع عن مصالح الشعوب وحمايتها وإقرار الحق والعدالة..
هل تسلم هذه الدول بكل دورها للهيمنة الأميركية وتذهب بعيداً لتأخذ دور الموظف (الطيع) لأسياده..!
وفيما لو تم ذلك- وهو ما نتمنى ألا يحدث ألا يجوز القول بضرورة تحويل هذه المنظمة إلى هيئة أميركية أو مجلس أميركي?..
القول بهذا الانهيار الصاعق للمنظومة الدولية سابق لأوانه والتسليم بأن قرار الهيمنة سيكون سيد الموقف فيه مبالغة كبيرة, وقد نجد نقاشات حادة, ورفضاً دولياً كبيراً لمثل هذه التوجهات الأميركية حيث يحتاج العالم إلى حماية الشرعية الدولية وليس الذهاب إلى عالم الغاب وقوانينه.