يتخذ قراره بنشر الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط, وفي نفس الوقت يطلق وعوده بخفض الضرائب, وخفض نسبة العجز, وكذلك تخصيص حسابات المتقاعدين والتأثير على الخيارات الاخلاقية للمجتمع الأميركي, من خلال تعيينه قضاة من المحافظين الجدد, حتى لدى المحكمة العليا.
لقد جعلت أحداث /11/ أيلول من الرئيس جورج بوش (رئيس حرب) ناشراً الواجبات التقليدية لممارسة السلطة في واشنطن, وكان قد أعيد انتخابه في الثاني من تشرين الثاني العام المنصرم, متقدماً بفارق ثلاثة ملايين صوت عن منافسه الديمقراطي جون كيري.
بينما أخذ الحزب الجمهوري يعزز خلال وقفته الاستعدادية سيطرته على غرفتي الكونغرس, لقد انفتح أمامه طريق ملوكي, فالرئيس الثالث والأربعون للولايات المتحدة سوف ينفق رأسماله السياسي في سبيل طبع ماركته الخاصة على البلاد, وهي خليط من الايديولوجية والشعبية, الطموحات السامية والتلاعب المنحط.
وها قد مضى عام على انتخابه, والأمور تسير نحو الأسوأ, شعبيته تتراجع إلى ما دون الخط الأحمر, ويواجه الكونغرس فاتورة باهظة التكاليف لإعادة إعمار نيواورلينز, التي دمرها اعصار كاترينا.
وتركه حزبه يتخبط في مواجهة قضية اصلاح نظام التقاعد, أما قاعدته من المحافظين الجدد, فقد ابدوا غيظهم منه بسبب تعيينه اسماً مجهولاً لرئاسة المحكمة العليا.
واطلق وعوده بالمحافظة على عدد قواته في العراق, فيما السجال في الولايات يدور حول التاريخ الذي يمكن لواشنطن فيه المباشرة بإعادة جيشها في العراق إلى البلاد.
وخلال عقده مؤتمراً صحفياً شدد بوش على أنه كان (محافظاً مطلقاً, وأنه فخور بذلك) وهذا ذو مغزى يدل على ضعف موقعه, حتى داخل معسكره الخاص به, فما الذي يجري?
لقد كشف إعصار كاترينا على افتقاد الإدارة الأميركية لبصيرة نافذة, تلك الإدارة التي حاولت التخلص مرتين من مأزق الخزي والعار, أي عقب تفجيرات نيويورك وحرب العراق.
وكان هذا الإعصار وراء اختلاط أولويات الشؤون الداخلية للإدارة الأميركية, ألم يدفع الرئيس جورج بوش إلى منحدر (التبذير) وتبديد أموال وخزينة الدولة?
إنها هاوية (الانفجار الحكومي) -على وزن الانفجار الكوني الكبير- وكانت مواقف بوش المعادية لهذا التبذير وراء انتخابه لرئاسة الولايات المتحدة.
فقد أجج الإعصار ارتفاع أسعار النفط لدرجة الاسهام في تحويل بوش التكساسي إلى أحد أنصار الحفاظ على البيئة داعياً مواطنيه لمكافحة الهدر.
وهاهو (بروس شولمان) يكتب في الواشنطن بوست يقول (يعكس هذا الأمر تحولاً كبيراً في مشاعر بوش والشعب الأميركي بالنسبة لما هو ممكن وما يستحيل تحقيقه, فلقد حشر بوش داخل دوامة تقليص الميزانية.
لكنه أي (بوش لم يستسلم بسهولة, معتبراً أنه لا يزال يحظى باحتياطي سياسي يكفيه لمتابعة المسير, ويصر على أنه (اجتزنا بنجاح الكثير من التجارب, وليس هناك أدنى شك في اعتقادي أننا سوف ننجز الكثير من الأمور).
إن الرهان, يكمن في قدرته على ممارسة السلطة, والارث السياسي الثقيل الذي سوف يخلفه وراءه.
وحتى قدوم إعصار كاترينا, كان يمكن لهذا الفائز عبر شعرة في انتخابات عام ,2000 وإعادة تجديد هذا الفوز العام الماضي وسط فوضى تشهدها العراق, أن يأمل بفتح الطريق إلى خليفة له يشبهه.
أماحالياً فثمة اضطرابات تشهدها صفوف الحزب, وغير مستبعد انبثاق نوع آخر من الجمهوريين.
ولا يملك حاكم البيت الأبيض الوريث الطبيعي له, إذ إن نائبه ديك تشيني, البالغ من العمر /64/ عاماً, والذي تتكرر عليه الأزمات القلبية, فقد حقه في التقدم بخطواته لإدراكه افتقاده لأدنى مستوى من الشعبية.
أما توم ديلاي, زعيم الأغلبية الجمهورية في غرفة النواب, فهو يسير على خطا ديك تشيني, بسبب تهمتين موجهتين له وهما تهمة (التآمر) وتهمة (تبييض) أموال خلال حملته الانتخابية في ولاية تكساس عام .2004
وتلوك سمعة (بيل فريست) قرين بوش في مجلس الشيوخ -شكوكاً تتهمه ب (الجرم المشرع) ما يضعف مكانته رغم شائعات تخوله الدفاع عن نفسه.
والنتيجة تبدو مزدوجة: تراخي وضعف المجلس البرلماني وانبعاث رائحة فساد خطيرة تلف الأغلبية البرلمانية.
في عام ,1994 سبقت (الثورة المحافظية) سلسلة فضائح فجرها نيوت غينغرش, أنهى فيها أربعين عاماً من هيمنة الديمقراطيين في الكونغرس.
وبعد مرور إحد عشر عاماً هل غير تآكل السلطة معسكره? مع اقتراب موعد انتخابات تشرين الثاني لعام ,2006 والتي ستشمل كامل الكونغرس, وثلث عدد اعضاء مجلس الشيوخ, تتزايد حدة الحالة العصبية.
ألم ينصح غينغرش الجمهوريين (بتغيير موقفهم بالنسبة لهذا الموضوع حتى تستتب الأمور, وإلا سيتم طردهم من المجلس بشكل أو بآخر).
وفي كاليفورنيا, تخوض مارلين براور حملتها كمرشحة لمنصب نائب شاغر تحت شعار ريتان (قليل من الضرائب, قليل من الحكومة, ولو جرت الانتخابات الرئاسية اليوم, لن يتم انتخاب بوش).
ولا تخفي دوائر المسيحيين والمحافظين الجدد خيبتها بسبب تعيين هارييت مايرز في منصب رئيسة المحكمة العليا, وكتب وليام كريستول في هذا الصدد في صحيفة (ويكلي ستاندارد), يقول: (لابد أن نستنتج أن الرئىس قد استسلم أمام معركة الفلسفة الدستورية) واستطرد القول: (إن هذا الخيار سيحكم عليه على أساس الزمالة الممزوجة بالاستسلام).
بينما انصاره يتحسرون عليه بقدر ما يتحسرون على الأرضية التي كان يمكنه من خلالها رص صفوف قواته ومجموعته الحائرة أمام استمرار الفوضى في العراق, واستطالة فاتورة الحرب وكذلك مثيلتها إعادة اعمار مدينة نيو أوليانز, ويعود الكونغرس على عجز اتحادي يصل إلى /30/ ملياراً عام .2006
وكما حال آل غور عندما عمل على مباعدة المسافات بينه وبين بيل كلينتون في انتخابات عام ,2000 شيئاً فشيئاً ينفك المحافظون الجدد عن رئىس بات بالنسبة لهم مبذراً.
ومن حظ بوش أن الأزمة جاءت مبكرة خلال ولايته الثانية, الأمر الذي يمكنه من النهوض منها سالماً, ولا سيما إن بقي الديمقراطيون عاجزين عن إعادة تجميع صفوفهم حول زعيم وبرنامج.