هذه القنيطرة التي لم تدرك إسرائيل هواها القومي المتين والثابت، الراسخ في العقول والقلوب، حين قامت بالاعتداء على رجال الله في الميدان، ولم يدرك نتنياهو أن قيادة حزب الله ستكون جاهزة للرد بالسرعة القصوى، لأن الرهان من قبل القيادة الصهيونية، كان على عدم قدرة الحزب بفتح جبهات داخلية وخارجية تعوق تحركه، بسبب تواجد العديد من مقاوميه في الجبهات السورية، وهنا أثبت الإسرائيلي من جديد غروره وصلفه وجهله بالامكانيات والخبرات الخارقة لحزب الله، التي تستطيع، لو أراد العرب تحرير فلسطين، جعل الصهاينة في حالة استجداء الأمن والأمان والمصير أيضا.
لهذا عندما اتخذت القيادة الإسرائيلية القرار بالقيام بعملية عسكرية ضد مقاومي حزب الله المتواجدين في القنيطرة السورية، يستثمرها نتنياهو على أبواب انتخاباتهم القريبة، أثبتت غباءهم وعقم أجهزتهم الاستخبارية واللوجستية كافة، لأن المقاومة،عبر ردها السريع في مزارع شبعا، أثبتت جهوزيتها التامة للدفاع ضد أي مغامرة إسرائيلية، وان استدراجها لحرب جديدة لن يكون في مصلحة رفع معنويات الجيش الإسرائيلي المهزوم في حرب تموز العام 2006، وقد سبق أن أعلن السيد حسن نصر الله في مقابلته الأخيرة على محطة تلفزيون الميادين، أن جهوزية المقاومة عالية جدا، وأن الرهانات مهما كانت مضامينها ستكون فاشلة. مع كل هذا لم ترتدع إسرائيل، وقامت بحماقتها الشريرة،عبراغتيال ستة شهداء للمقاومة ونائب رئيس الحرس الثوري الإيراني الجنرال محمد علي الله دادي.
التزمت قيادة المقاومة الصمت بعد عملية القنيطرة، التي ذهب ضحيتها قيادات فاعلة وأبناء شهداء بالإضافة إلى الجنرال الإيراني نائب رئيس الحرس الثوري، في الوقت الذي كانت قيادات إسرائيل السياسية والعسكرية تشهد قلقا وحالة انتظار، انعكست خوفا عند السكان الإسرائيليين، خصوصا في المنطقة الشمالية الذي شهدت غلياناً شعبياً بدا أنه مأزوم منذ حرب العام 2006، التي هزمت خلالها المقاومة الجيش الإسرائيلي الذي «لا يقهر»، وجعلت المواطن الإسرائيلي عديم الثقة بقيادته، في الوقت الذي يحسنون فيه الاستماع إلى كلام السيد حسن نصرالله، كي يبنى على الشيء مقتضاه، لأنه الصادق الأمين في القول والفعل، رغم كل المراهنات المساندة والمؤيدة لبني صهيون.
لقد تبع عملية القنيطرة هيجان شديد في العالمين العربي والأوروبي والأميركي، واستنفارات في صفوف الإسرائيليين، الذين توجسوا من عملية انتقامية للمقاومة تؤدي إلى حرب مدمرة، لا تستطيع إسرائيل تحملها في ظل الحرب الدائرة في سورية، وجنوح أميركا إلى الحل السلمي، عبر مستجدات ستظهر لاحقا من خلال الاتفاق على منح سورية وكالة حصرية لمحاربة الإرهاب، لقناعة تامة أن عصابات داعش والنصرة اللتين هما جزء لا يتجزأ من منظمة القاعدة الإرهابية، لا يمكن القضاء عليهما، سوى بالاتفاق مع القيادة السورية والجيش السوري الذي أثبت فعالية قوته القادرة على الصمود والتصدي، خصوصا في حرب العصابات المتغلغلة في المدن والقرى السورية، وهذه في العلوم العسكرية تعد من أصعب الحروب، كما تناهى إلى سمعي وأنا في واشنطن في الصيف الماضي، حيث لمست مدى الإرباك الذي تمر به الإدارة الأميركية بعد ثبات سورية وصمودها في وجه الحرب الكونية التي شنت عليها وما زالت نارها مستعرة، عبر الإمداد المتواصل للإرهابيين بالمال والسلاح والرجال، من استمرار فتح الممرات لهم للتسلل إلى الأرض السورية من قبل تركيا والأردن، وإسرائيل التي تهدف إلى إقامة شريط حدودي في الجولان، قوامه عصابات النصرة التي تحدث السيد حسن نصرالله بالأمس، عن مدى قدراتها العسكرية واللوجستية المدعومة والمغطاة من إسرائيل. مع العلم أيضا أن هذا الصمود الجبار من الجيش السوري بدأ يدرس في الأكاديميات العسكرية الأميركية، إضافة إلى استعانة البنتاغون بالعديد من علماء النفس والاجتماع الذين يوكل إليهم وضع الدراسات المعمقة عن نفسية الجندي السوري وثباته المقاوم.
لقد أتى الرد من قبل حزب الله بالفعل سريعا وقويا، علما أنه لم يصدر عن حزب الله إشارة ما، توحي أن الرد بات جاهزا وقريبا جدا، إلى أن فوجئ العدو الصهيوني والعالم كله، ظهيرة يوم الأربعاء في 28 /1/2015 بالرد العنيف عبر عملية عسكرية عالية التقنية في مزارع شبعا اللبنانية المحتلة على قافلة إسرائيلية، سميت «عملية شهداء القنيطرة»، تصدى خلالها رجال المقاومة،في وضح النهار، ووجهاً لوجه لقافلة عسكرية إسرائيلية، راح ضحيتها العديد من الجنود والضباط، الذين ما زالت القيادة الإسرائيلية تتحفظ على إعلان عددهم، علماً أن كل من شاهد الصور المنشورة عبر محطات التلفزة العربية والعالمية يشهد أن الخسائر كبيرة في الأرواح والمعدات.
لقد أصبح الزمن زمن المقاومة بامتياز، وأصبحت ثقافة المقاومة هي ثقافة الحياة المتجددة صعدا مع ارتفاع الزهو بالكرامات والنصر الذي لا رجوع عنه بعد الآن، حيث لا خنوع ولا خضوع للعدو الصهيوني، بل العين بالعين والسن بالسن والبادي أظلم، وكما أعلن سماحة السيد في خطابه الأخير البيان رقم 2 الذي حدد فيه: «ان كل مقاوم يُغتال من حزب الله فالمتهم هو إسرائيل، وأن قواعد الاشتباك أصبحت ملغية»، بهذا القول الصريح والقوي في أبعاده ومضامينه وأشكاله المرتجاة التي لا لبس فيها البتة، أعلن السيد أن القرار من الآن وصاعدا هو بيد المقاومة، وأن حالة الدفاع انتهت إلى غير رجعة، وأن الاستعداد للهجوم على العدو واجتياح الداخل الفلسطيني المحتل، بات خارطة طريق. فالضربة بالضربة، والاغتيال بالاغتيال،والحرب يقابلها حرب.. والاجتياح المعاكس أصبح قناعة ثابتة عند أهل المقاومة ومناصريها في الداخل والخارج.
لقد تغير النهج، وأصبحت ساعة الصفر بيد المقاومة وسورية المنتصرة قريبا وقريبا جدا، وهذا يثبت أن ثقافة المقاومة هي العنوان الأمثل، الذي من خلاله نرفع علامات النصر في لبنان وسورية والعراق ومصر وفلسطين، وأنه لا بد من تضافر الجهود وتوحيدها مع قوى الصمود والتصدي، من أجل تشكيل جبهة شرقية موحدة يمكن الركون إليها من أجل تحرير فلسطين والقضاء على الإرهاب المتمثل بالقاعدة وداعش وأخواتها، حيث ستبقى عملية «شهداء القنيطرة» هي المدماك الأساس والصلب لانطلاقة المقاومة على جبهة سيناء والجولان وربطها بمسيرة المقاومة في الجنوب اللبناني.. وإن غدا لناظره قريب.