تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


واجهت التاريخ والبحر... فهل تصمد طرطوس أمام سوء الإدارة ?!

تحقيقات
الأثنين 15/9/2008
ربا أحمد

مدينة طرطوس القديمة.. مدينة تاريخية تحمل في كل شبر منها سراً من الأسرار وتفصيلاً من حياة سابقة ولت , وتخبئ في زواياها عراقة حضارات رسمت على جدران مدن عالمية أخرى لتترك إرثاً حضارياً نفتخر به ونعيشه اليوم ليستمر.

سجلت مدينة طرطوس القديمة ضمن الأبنية والمواقع الأثرية في سورية بالقرار رقم 8/آ لعام 1959 متضمنة الكاتدرائية القديمة, سور المدينة والحصن القديم,‏

وبموجب قرار لاحق في 1999 تم منع أي أعمال هدم أو بناء إضافة لمنع أعمال ترميم دون ترخيص مسبق من السلطات الأثرية.‏‏

وشكلت لجنة حماية المدينة القديمة وفق قرار صدر في 1988 وعدل خلال عامي 1999 و2004.‏‏

ولكن للأسف (معاناة البشر والحجر) هو الحاضر الذي سنتكلم عنه.‏‏

حجر .. دون هوية‏‏

الحماية بقيت دون المستوى المطلوب والقرارات لم تنفذ جيداً.. والنتيجة كما وصفها المهندس مروان حسن مدير الآثار بطرطوس هي:‏‏

تغيير المعالم المعمارية للمباني الأثرية والنسيج العمراني نتيجة التعديات المتمثلة بإقامة مبانٍ حديثة أو طوابق إضافية إلى جانب استبدال أجزاء من المباني القديمة بأجزاء حديثة وتعديات أخرى كإزالة الإكساءات القديمة من (تباليط حجرية وكلسة عربية أو منجور حجري) واستبدالها بأعمال حديثة بالكامل بالإضافة لتغطية الفراغات السماوية بأسقف بيتونية حديثة.‏‏

ضعف علاقة المدينة القديمة مع المحيط, حيث إن قرار التسجيل الأساسي اعتمد المخطط التنظيمي القائم كمنشآت ولم يراع علاقتها بمحيطها ما أدى لظهور شوارع تنظيمية محيطة ومخترقة لبعض أجزاء المدينة,‏

بالإضافة لنشوء نظام عمراني حديث محيط والنتيجة (تشويه وتلوث بصري كبير).‏‏

تأثير سلبي للصرف الصحي على أبنية المدينة القديمة.‏‏

الخلل الإنشائي في نظام بناء البيت العربي والمواد المستخدمة فيه ما أدى لمشكلات فنية إنشائية بالمباني.‏‏

زيادة النشاط البشري أدى لزيادة الحركة السكانية والخدمية ومرور السيارات الثقيلة التي تؤثر سلباً على الأبنية.‏‏

تأثر النسيج العمراني بالامتداد الأفقي والشاقولي عليه.‏‏

إزالة بعض الأبنية القديمة أدى لظهور شوارع بأبعاد تنظيمية حديثة وهذا غير موجود في المدن القديمة.‏‏

فالواقع بقايا آثار.. بقايا مدينة تاريخية.. لكن في البقايا إشكاليات أخرى أيضاً, هي حجارة قاومت الزمن لكن نال منها أخيراً بعد أن اتحد مع الاهمال وغياب الترميم فأصبحت مهترئة يقع بعضها بين الحين والآخر, والعين شاهدة على ما رأينا.‏‏

قانون الحجر لا البشر..‏‏

تحت بقايا الحجارة وبين جدران المدينة القديمة يوجد 330 منزلاً يضم كباراً وصغاراً, والسمان والمقهى والصيدلية, لكن الشيء غير الطبيعي هو أن ظلم الحجر بدا على حياة البشر.‏‏

فهناك منزل يقطن فيه عبد الله خضر الشاب المقعد مع أخيه خالد خضر تحت سقف غرفتين انهارت الأولى تماماً وبقيت جوانب الغرفة العليا معرضة للانهيار بأي لحظة على السكان المحيطين.‏‏

وفي الجانب الآخر منزل مصطفى لطش الذي تشققت جدرانه وتآكل قسم كبير في الظفر الحامل للجدار الجنوبي للغرفتين اللتين يعيش فيهما مع زوجته وأولاده الأربعة, أما الحمام والمطبخ فمساحة كل منهما لا تتجاوز المتر المربع, وبالتالي وفق بيان دائرة المدينة القديمة لا يمكن ترميمه ويجب هدمه. وفي منزل سامي الشيخ تظهر قضبان التسليح المهترئة بشكل كبير جداً ويشكل هذا خطراً على قاطنيه.‏‏

أما الغريب وجود امرأة تبلغ 65 عاماً تعيش متنقلة بين بيوت الحارة لأن منزلها هدم باعتباره يغلق باب قبو المدينة ولكن المرأة والأثاث بقيا في الشارع.هذه عينة بسيطة من منازل المدينة المفترض صمود حجارتها إن لم يكن للحفاظ عليها في أجل سكانها.‏‏

لكن من المسؤول في الحفاظ على الحياة هناك?!‏‏

كل جهة تلقي اللوم على الأخرى‏‏

مدير الآثار بطرطوس المهندس مروان حسن يقول:‏‏

(نحن جهة علمية نقدم وجهة نظرنا للجهة التنفيذية في المحافظة, ولا يلقى اللوم علينا).‏‏

رئيس مجلس المدينة عثمان عثمان يقول:‏‏

(على الآثار تحمل المسؤولية لأن معظم المخالفات تعود لمديرية الآثار, أما المخالفات العائدة لمجلس المدينة فهي قديمة, وبالنسبة للمساكن الآيلة للسقوط لا يوجد قانون ينص على إعطاء بدل للمواطن عنها, ولكن نحاول إيجاد الحلول المناسبة).‏‏

رئيسة دائرة المدينة القديمة المهندسة ماري يازجي تقول:‏‏

(شروط الترميم قاسية جداً ومكلفة بالنسبة للمواطن العادي, لذلك نبحث اليوم مع مديرية الآثار لتخفيف الشروط باستخدام نوعيات غير مكلفة جداً كالبيتون بدل الخشب الذي يفترض استخدامه للأسقف, علماً أنه يقارب سعر المتر منه ال 50 ألف ليرة, بالإضافة لتغيير نوعية البلاط لأن الشروط تقتضي استخدام نوعية خاصة).‏‏

منازل بديلة .. لمن?!‏‏

في عام 2005 وزعت منازل بديلة عن المنازل الآيلة للسقوط والتي تشكل خطراً على الناس من مجلس مدينة طرطوس, حيث شكلت لجنة مهمتها متابعة أعمال الوحدات السكنية باستلام الشقق السكنية وتسليمها إلى المتخصصين ومتابعة استلام المشروع في حي رامة كبدل عن العقارات الخطرة والذي تنفذه مؤسسة الإسكان العسكرية وحساب الكلفة والتوزيع على المتخصصين ومتابعة دراسة عقارات التخصص وفق الأسس المقترحة من اللجنة وتنظيم العقود اللازمة, وذلك بأن يدفع صاحب العقار 50 ألف ليرة مسبقاً ثم يسدد المبلغ عن طريق القسط الشهري الذي يترتب من القرض العقاري المسحوب لها.‏‏

ومن هنا كانت مطالب مصطفى لطش وخالد خضر وغيرهما الكثير بالسكن البديل الذي لم يكن من نصيبهم, فكان الطريق إلى مجلس المدينة يومي والسؤال يومي والانتظار هو الأمل الوحيد للاستمرار.‏‏

فمن لم يتمكن من دفع 50 ألف ليرة كي يحصل على منزل بديل, كيف سيتمكن من دفع 50 ألفاً ككلفة متر للترميم وفق الشروط المفروضة!!‏‏

هل الاستثمار حلاً?!‏‏

المساحات صغيرة والملكيات خاصة ما يعوق الاستثمار, فبعد ترميم صالة طرطوس القديمة واستثمارها, ستعمل مديرية الآثار لاستملاك قبو عرفات واستثماره.‏‏

كما أنجز مخطط استعمالات المباني وينتظر الموافقة النهائية لعرضه على اللجنة الاقليمية, والمقترحات تتضمن (مطاعم, موتيلات, منازل..) أي جوانب سياحية ثقافية.‏‏

مساعدات أوروبية .. من أضاعها?!‏‏

برنامج دعم البلديات بالشرق الأدنى المنفذ من الاتحاد الأوروبي بدأ بلبنان عام 1996 وفي سورية 1997, وهو يهدف إلى مساعدة المدن السورية للحوار مع المدن الأوروبية للبلديات بما يتعلق بموضوع إدارة البلدية والارتقاء بها بحيث تكون قادرة على اللحاق بالتطور الاجتماعي, وجزء من برنامجه يثمن تراث المدينة عالياً.‏‏

وفي زيارة لمدينة طرطوس واجتماعات مع المعنيين والمهندسين تم إعداد ملف مسبق يسمى ( مشروع التدخل في مدينة طرطوس القديمة) يسمح بالبحث عن التمويل اللازم, وهو بالتعاون بين مجلس بلدية طرطوس, وبلديات أليكانتي وبالما في إسبانيا وبرغامو من إيطاليا والاتحاد العالمي للمدن المتحدة.‏‏

ويشير التقرير إلى أن مدينة طرطوس القديمة لحقت بها تشوهات وتخريب كبير, ونوه أن المشكلات الأكثر أهمية هي المشكلة الاجتماعية الاقتصادية, الكثافة العليا للسكان, فقر الناس, المستوى الثقافي المتدني, المشكلات الصحية الموجودة, وسوء الصرف الصحي.‏‏

وخلص التقرير بعد زيارة ميدانية لمدن بالما وبرغامو وأليكانتي إلى ما يلي:‏‏

إعداد مشروع لإعادة التأهيل المتكامل لمدينة طرطوس القديمة, والخطوط الأولى تكون بتجهيز إضبارة للمساعدة في الحصول على التمويل اللازم لتنفيذ المشروع.‏‏

تنظيم ندوة عمل دولية بمشاركة مختلف المدن الأوروبية بعد دراسة الوضع والإمكانيات تهتم بإعادة التأهيل المتكامل لمدينة بصرى والمركز التاريخي للسويداء.‏‏

وبالرغم من كل ذلك بقي المشروع حبراً على ورق, وكذلك عدة اتفاقيات توءمة أخرى وورشات عمل نظمت دون جدوى.. وبقيت المدينة القديمة من سيئ لأسوأ.‏‏

الخدمات .. ناقوس خطر‏‏

أغطية الصرف الصحي تبقى مفتوحة لأنها معطلة دائماً والروائح الكريهة تنبعث منها, والأقبية تحولت إلى برك للمياه الآسنة ما تسبب بخلخلة الأساسات وتصدع الجدران, ويخشى من اختلاطها بمياه الشرب.‏‏

أما أسلاك الكهرباء فتجدها متدلية على جدران كافة المنازل وكأنها صورة واضحة عن سوء الخدمات وإهمالها ككل شيء في المدينة. وهناك مشكلة ضيق الشوارع التي تمنع دخول سيارات الإسعاف والإطفاء في حال وجود حالات اضطرارية لدخولها. والقمامة تتناثر هنا وهناك, بين المنازل وفي الأقبية, باعثة الروائح والأمراض والذباب, بالإضافة للمنظر غير الحضاري في مدينة تاريخية تستقبل كل يوم سواحاً عرباً وأجانب. غرف صغيرة تتوزع بين جدران المدينة القديمة وتشكل ما يشبه المنازل.. جدران متهالكة تتكئ أسقفها على خزائن هرمة ودعامات. تعيش فيها أسر قد يتجاوز عدد أفرادها العشرة أشخاص فإن مضى عليهم اليوم بخير فلا يدري أحد ما الحال غداً.‏‏

والنتيجة لم نجد من يتحمل المسؤولية عن هذا الواقع الذي يدفع بالناس والحجارة نحو المجهول.. ويوقف عربة حضارة سارت لقرون طويلة.‏‏

تعليقات الزوار

مواطنة سورية |    | 15/09/2008 14:52

شكرا على هذه المادة القديرة وعلى هذه الالتفاتة على مدينة عريقة مثل مدينة طرطوس حقا لماذا يهمل المسؤولون هذه المدينة التاريخية الهامة والتي كانت مهد الحضارات الاغريقية و الفينيقة و الكنعانية .....

موفق الطباع |  mmowa33@hotmail.com | 15/09/2008 15:12

مدينة طرطوس مدينة عريقة جدا و تعتبر النافذة الثانية المطلة على البحر ، بعد مدينة اللاذقية فلماذا لا يتم استثمارها جيدا لتصبح مدينة سياحية تجذب العالم الى بلدنا سورية الحبيبة ....

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية